العين بإضمار بعد واو الجمع ، والمعنى : ألم نجمع بين الاستحواذ عليكم ، ومنعكم من المؤمنين؟ ونظيره قول الحطيئة :
ألم أك جاركم ويكون بيني |
|
وبينكم المودة والإخاء |
وقال ابن عطية : ونمنعكم بفتح العين على الصرف انتهى. يعني الصرف عن التشريك لما بعدها في إعراب الفعل الذي قبلها ، وليس النصب على الصرف من اصطلاح البصريين. وقرأ أبي : ومنعناكم من المؤمنين ، وهذا معطوف على معنى التقدير : لأن المعنى إما استحوذنا عليكم ومنعناكم كقوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا) (١). إذ المعنى : أما شرحنا لك صدرك ووضعنا. (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي وبينهم وينصفكم من جميعهم. ويحتمل أن لا عطف ، ومعنى بينكم أي : بين الجميع منكم ومنهم ، وغلب الخطاب. وهذه تسلية للمؤمنين وأنس بما وعدهم به.
(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) يعني يوم القيامة قاله : عليّ وابن عباس. وروي عن سبيع الحضرمي قال : كنت عند عليّ فقال له رجل : يا أمير المؤمنين أرأيت قول الله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) كيف ذلك وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحيانا؟ فقال عليّ : معنى ذلك يوم القيامة ، يوم الحكم. قال ابن عطية : وبهذا قال جميع أهل التأويل. قال ابن العربي : وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه ، وإن أوهم صدر الكلام معناه لقوله : فالله يحكم بينكم يوم القيامة. وقيل : إنه تعالى لا يمحو بالكفر ملة الإسلام ولا يستبيح بيضتهم كما جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان قال : «فإني سألت ربي أن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا».
وقيل : المعنى أن لا يتواصوا بالباطل ، ولا يتناهوا عن المنكر ، ويتقاعدوا عن التوبة ، فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم كما قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٢). قال ابن العربي : وهذا بين جدا ، ويدل عليه قوله في حديث ثوبان : حتى يكون بعضهم يهلك بعضا. وذلك أنّ حتى غاية ، فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم
__________________
(١) سورة الشرح : ٩٤ / ١ ـ ٢.
(٢) سورة الشورى : ٤٢ / ٣.