والتهليل إلا ذكرا قليلا. ويجوز أن يراد بالقلة العدم انتهى. ولا يجوز أن يراد به العدم ، لأن الاستثناء يأباه ، وقد رددنا هذا القول عليه وعلى ابن عطية في هذه السورة. وقيل : قل لأنهم قصدوا به الدنيا وزهرتها ، وذلك فإنّ (مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) ، وقيل في الكلام حذف تقديره : ولا يذكرون عقاب الله وثوابه إلا قليلا لاستغراقهم في الدنيا ، وغلبة الغفلة على قلوبهم. والظاهر أنّ الذكر هنا هو باللسان ، وأنهم قلّ أن يذكروا الله بخلاف المؤمن المخلص ، فإنه يغلب على أحواله ذكر الله تعالى.
(مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) أي مقلقلين. قال الزمخشري : ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر يتردّدون بينهما متحيرين ، كأنه يذب عن كلا الجانبين أي يذاد فلا يقر في جانب واحد ، كما يقال : فلان يرمي به الرحوان ، إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب ، كان المعنى : كلما مال إلى جانب ذب عنه انتهى. ونسب الذبذبة إلى الشيطان ، وأهل السنة يقولون : إنّ هذه الحياة والذبذبة إنما حصلت بإيجاد الله. وفي الحديث : «مثل المنافق مثل الشاة العابر بين الغنمين» والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان كما قال تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) (١) أي بين البكر والفارض.
وقال ابن عطية : وأشار إليه وإن لم يتقدم ذكر الظهور لضمن الكلام له ، كما جاء : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) (٢) و (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (٣) انتهى وليس كما ذكر ، بل تقدم ما تصح إليه الإشارة من المصدرين اللذين دل عليهما ذكر الكافرين والمؤمنين ، فهو من باب : إذا نهى السفيه جرى إليه.
وقرأ ابن عباس وعمرو بن فائد : مذبذبين بكسر الذال الثانية ، جعلاه اسم فاعل أي مذبذبين أنفسهم أو دينهم ، أو بمعنى متذبذبين كما جاء صلصل وتصلصل بمعنى. وقرأ أبي : متذبذبين اسم فاعل من تذبذب أي اضطرب ، وكذا في مصحف عبد الله. وقرأ الحسن : مذبذبين بفتح الميم والذالين. قال ابن عطية : وهي قراءة مردودة انتهى. والحسن البصري من أفصح الناس يحتج بكلامه ، فلا ينبغي أن ترد قراءته ، ولها وجه في العربية ، وهو أنه أتبع حركة الميم بحركة الذال ، وإذا كانوا قد أتبعوا حركة الميم بحركة عين الكلمة في مثل منتن وبينهما حاجز فلان يتبعوا بغير حاجز أولى ، وكذلك اتبعوا حركة
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٨.
(٢) سورة ص : ٣٨ / ٣٢.
(٣) سورة الرحمن : ٥٥ / ٢٦.