أشار إليهم بأنهم مع المؤمنين ، ولم يحكم عليهم بأنهم المؤمنون ، ولا من المؤمنين ، وإن كانوا قد صاروا مؤمنين تنفيرا مما كانوا عليه من عظم كفر النفاق وتعظيما لحال من كان متلبسا به. ومعنى : مع المؤمنين ، رفقاؤهم ومصاحبوهم في الدارين. والذين تابوا مستثنى من قوله : في الدرك. وقيل من قوله : فلن تجد لهم. وقيل : هو مرفوع على الابتداء ، والخبر فأولئك. وقال الخوفي : ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط المتعلق بالذين.
(وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) أتى بسوف ، لأن إيتاء الأجر هو يوم القيامة ، وهو زمان مستقبل ليس قريبا من الزمان الحاضر. وقد قالوا : إنّ سوف أبلغ في التنفيس من السين ، ولم يعد الضمير عليهم فيقال : وسوف يؤتيهم ، بل أخلص ذلك الأجر للمؤمنين وهم رفقاؤهم ، فيشاركونهم فيه ويساهمونهم. وكتب يؤت في المصحف بغير ياء ، لمّا حذفت في اللفظ لالتقاء الساكنين حذفت في الخط ، ولهذا نظائر في القرآن. ووقف يعقوب عليها بالياء ، ووقف السبعة بغير ياء اتباعا لرسم المصحف. وقد روى الوقف بالياء عن : حمزة ، والكسائي ، ونافع. وقال أبو عمرو : ينبغي أن لا يوقف عليها لأنه إن وقف بغير ياء خالف النحويين ، وإن وقف بياء خالف لفظ المصحف. والأجر العظيم هو الخلود في الجنة.
(ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) الخطاب قيل : للمؤمنين. وقيل : للكافرين ، وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. وهذا استفهام معناه النفي أي : ما يعذبكم إن شكرتم وآمنتم. والمعنى : أنه لا منفعة له في ذلك ولا حاجة ، لأن العذاب إنما يكون لشيء يعود نفعه أو يندفع ضره عن المعذب ، والله تعالى منزه عن ذلك ، وإنما عقابه المسيء لأمر قضت به حكمته تعالى ، فمن شكره وآمن به لا يعذبه.
وما استفهام كما ذكرنا في موضع نصب بفعل ، التقدير : أي شيء يفعل الله بعذابكم. والباء للسبب ، استشفاء أم إدراك ثأر ، أم جلب منفعة ، أم دفع مضرة ، فهو تعالى منزه عن ذلك. وأجاز أبو البقاء أن تكون ما نافية ، قال : والمعنى : ما يعذبكم. ويلزم على قوله أن تكون الباء زائدة ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي : إن شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم.
ذكر عن ابن عباس أنّ المراد بالشكر هنا توحيد الله. وقال الزمخشري : (فإن قلت) :