روي أنه ينزل من السماء في آخر الزمان ، فلا يبقى أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن به ، حتى تكون الملة واحدة وهي ملة الإسلام قاله : ابن عباس ، والحسن ، وأبو مالك. وقال ابن عباس أيضا وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، أيضا ومجاهد ، وغيرهم : الضمير في به لعيسى ، وفي موته لكتابي وقالوا : وليس يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى ويعلم أنه نبي ، ولكن عند المعاينة للموت فهو إيمان لا ينفعه كما لم ينفع فرعون إيمانه وقت المعاينة. وبدأ بما يشبه هذا لقول الزمخشري. قال : والمعنى ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن قبل موته بعيسى ، وبأنه عبد الله ورسوله؟ يعني : إذا عاين قبل أن تزهق روحه حين لا ينفعه إيمانه لانقطاع وقت التكليف. ثم حكى عن شهر بن حوشب والحجاج حكاية فيها طول يمس بالتفسير منها : إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة دبره ووجهه وقالوا : يا عدوّ الله أتاك عيسى نبيا فكذبت به ، فيقول : آمنت أنه نبي. وتقول للنصراني : أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه الله أو ابن الله ، فيقول : آمنت أنه عبد الله ورسوله حيث لا ينفعه إيمانه. وعن ابن عباس أنه فسره كذلك فقال له عكرمة : فإن أتاه رجل فضرب عنقه؟ قال : لا تخرج نفسه حتى يحرك بها شفتيه. قال : وإن خرجت فوق بيت ، أو احترق ، أو أكله سبع؟ قال : يتكلم بها في الهوى ، ولا تخرج روحه حتى يؤمن به. ويدل عليه قراءة أبيّ : إلا ليؤمنن به قبل موتهم ، بضم النون على معنى : وإن منهم أحد إلا سيؤمنون به قبل موتهم ، لأن أحدا يصلح للجمع. (فإن قلت) : فما فائدة الإخبار بإيمانهم بعيسى قبل موتهم؟ (قلت) : فائدته الوعيد ، وليكن علمهم بأنهم لا بد لهم من الإيمان به عن قريب عند المعاينة ، وأن ذلك لا ينفعهم بعثا لهم وتنبيها على معالجة الإيمان به في أوان الانتفاع به ، وليكون إلزاما للحجة لهم. وكذلك قوله.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) يشهد على اليهود بأنهم كذبوه ، وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله انتهى كلامه. وقال أيضا : ويجوز أن يريد أنه لا يبقى أحد من جميع أهل الكتاب إلا ليؤمنن به ، على أنّ الله يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلمهم نزوله وما نزل له ، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم انتهى. وقال عكرمة : الضمير في به لمحمد عليه الصلاة والسّلام ، وفي موته للكتابي. قال : وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد ، ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت. وقيل : يعود في به على الله ، وفي موته على أحد المقدّر. قال ابن زيد : إذا نزل عيسى عليهالسلام لقتل الدجال ، لم يبق يهودي ولا نصراني إلا آمن بالله حين يرون قتل الدجال ، وتصير الأمم كلها