بنيت للفاعل ، ولأنه يتقيد إحلاله تعالى بهيمة الأنعام إذا أريد بها ثمانية الأزواج بحال انتفاء إحلاله الصيد وهم حرم ، وهو تعالى قد أحلها في هذه الحال وفي غيرها.
وأما ما نقله القرطبي عن البصريين ، فإن كان النقل صحيحا فهو يتخرج على ما سنوضحه إن شاء الله تعالى ، فنقول : إنما عرض الإشكال في الآية من جعلهم غير محلى الصيد حالا من المأمورين بإيفاء العقود ، أو من المحلل لهم ، أو من المحلل وهو الله تعالى ، أو من المتلو عليهم. وغرّهم في ذلك كونه كتب محلي بالياء ، وقدّروه هم أنه اسم فاعل من أحل ، وأنه مضاف إلى الصيد إضافة اسم الفاعل المتعدّي إلى المفعول ، وأنه جمع حذف منه النون للإضافة. وأصله : غير محلين الصيد وأنتم حرم ، إلا في قول من جعله حالا من الفاعل المحذوف ، فلا يقدر فيه حذف النون ، بل حذف التنوين. وإنما يزول الإشكال ويتضح المعنى بأن يكون قوله : محلي الصيد ، من باب قولهم : حسان النساء. والمعنى : النساء الحسان ، وكذلك هذا أصله غير الصيد المحل. والمحل صفة للصيد لا للناس ، ولا للفاعل المحذوف. ووصف الصيد بأنه محل على وجهين : أحدهما : أن يكون معناه دخل في الحل كما تقول : أحل الرّجل أي : دخل في الحل ، وأحرم دخل في الحرم. والوجه الثاني : أن يكون معناه صار ذا حل ، أي حلالا بتحليل الله. وذلك أن الصيد على قسمين : حلال ، وحرام. ولا يختص الصيد في لغة العرب بالحلال. ألا ترى إلى قول بعضهم : إنه ليصيد الأرانب حتى الثعالب لكنه يختص به شرعا؟ وقد تجوزت العرب فأطلقت الصيد على ما لا يوصف بحل ولا حرمة نحو قوله :
ليث بعثر يصطاد الرجال إذا |
|
ما كذب الليث عن أقرانه صدقا |
وقال آخر :
وقد ذهبت سلمى بعقلك كله |
|
فهل غير صيد أحرزته حبائله |
وقال آخر :
وميّ تصيد قلوب الرّجال |
|
وأفلت منها ابن عمر وحجر |
ومجيء أفعل على الوجهين المذكورين كثير في لسان العرب. فمن مجيء أفعل لبلوغ المكان ودخوله قولهم : أحرم الرّجل ، وأعرق ، وأشأم ، وأيمن ، وأتهم ، وأنجد إذا بلغ هذه المواضع وحل بها. ومن مجيء أفعل بمعنى صار ذا كذا قولهم : أعشبت الأرض ،