(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) لما نهى عن الاعتداء بأمر بالمساعدة والتظافر على الخير ، إذ لا يلزم من النهي عن الاعتداء التعاون على الخير ، لأنّ بينهما واسطة وهو الخلو عن الاعتداء والتعاون. وشرح الزمخشري البر والتقوى بالعفو والإغضاء ، قال : ويجوز أن يراد العموم لكل بر وتقوى ، فيتناول العفو انتهى. وقال قوم : هما بمعنى واحد ، وكرر لاختلاف اللفظ تأكيدا. قال ابن عطية : وهذا تسامح ، والعرف في دلالة هذين اللفظين يتناول الواجب والمندوب إليه ، والتقوى رعاية الواجب. فإن جعل أحدهما بدل الآخر فتجوّز انتهى. وقال ابن عباس : البر ما ائتمرت به ، والتقوى ما نهيت عنه. وقال سهل : البر الإيمان ، والتقوى السنة. يعني : اتباع السنة.
(وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) الإثم : المعاصي ، والعدوان : التعدي في حدود الله قاله عطاء. وقيل : الإثم الكفر ، والعصيان والعدوان البدعة. وقيل : الإثم الحكم اللاحق للجرائم ، والعدوان ظلم الناس قاله : ابن عطية. وقال الزمخشري : الإثم والعدوان الانتقام والتشفي قال : ويجوز أن يراد العموم لكل إثم وعدوان.
(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) أمر بالتقوى مطلقة ، وإن كان قد أمر بها في التعاون تأكيدا لأمرها ، ثم علل ذلك بأنه شديد العقاب. فيجب أن يتقى وشدّة عقابه بكونه لا يطيقه أحد ولاستمراره ، فإن غالب الدنيا منقض. قال مجاهد : نزلت نهيا عن الطلب بدخول الجاهلية إذ أراد قوم من المؤمنين ذلك ، ولقد قيل : ذلك حليف لأبي سفيان من هذيل.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) تقدم مثل هذه الجملة في البقرة. وقال هنا ابن عطية : ولحم الخنزير مقتض لشحمه بإجماع انتهى. وليس كذلك ، فقد خالف فيه داود وغيره ، وتكلمنا على ذلك في البقرة ، وتأخر هنا به وتقدم هناك تفننا في الكلام واتساعا ، ولكون الجلالة وقعت هناك فصلا أولا كالفصل ، وهنا جاءت معطوفات بعدها ، فليست فصلا ولا كالفصل ، وما جاء كذلك يقتضي في أكثر المواضع المد.
(وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ) تقدم شرح هذه الألفاظ في المفردات. قال ابن عباس وقتادة : كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة وغيرها ، فإذا ماتت أكلوها. وقال أبو عبد الله : ليس الموقوذة إلا في ملك ، وليس في صيد وقيذ. وقال مالك