ومرة بالاندراج في العام ، وذلك على سبيل التوكيد والمبالغة في تعلق نفاذ الإرادة فيهما. وليعلم ، أنهما من جنس من في الأرض لا تفاوت بينهما في البشريّة ، وفي ذلك إشارة إلى حلول الحوادث بهما ، والله سبحانه وتعالى منزه أن تحلّ به الحوادث ، وأن يكون محلا لها. وفي هذا رد على الكرامية.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) والمسيح وأمه من جملة ما في الأرض ، فهما مقهوران لله تعالى ، مملوكان له ، وهذه الجملة مؤكدة لقوله : إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ، ودلالة على أنه إذا أراد فعل ، لأنّ من له ذلك الملك يفعل في ملكه ما يشاء.
(يَخْلُقُ ما يَشاءُ) أي أنّ خلقه ليس مقصورا على نوع واحد ، بل ما تعلقت مشيئته بإيجاده أو جده واخترعه ، فقد يوجد شيئا لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليهالسلام ، وأوائل الأجناس المتولد بعضها من بعض. وقد يخلق من ذكر وأنثى ، وقد يخلق من أنثى لا من ذكر معها كالمسيح. ففي قوله : يخلق ما يشاء ، إشارة إلى أنّ المسيح وأمه مخلوقان. وقيل : معنى يخلق ما يشاء كخلق الطير على يد عيسى معجزة ، وكإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك ، فيجب أن تنسب إليه ولا تنسب إلى البشر المجرى على يده. وتضمن الرد عليهم أن من كان مخلوقا مقهورا بالملك عاجزا عن دفع ما يريد الله به لا يكون إلها.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تقدم تفسير هذه لجملة ، وكثيرا ما يذكر القدرة عقيب الاختراع وذكر الأشياء الغريبة.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ظاهر اللفظ أن جميع اليهود والنصارى قالوا عن جميعهم ذلك وليس كذلك ، بل في الكلام لف وإيجاز. والمعنى : وقالت كل فرقة من اليهود والنصارى عن نفسها خاصة : نحن أبناء الله وأحباؤه ، ويدل على ذلك ، وقالت اليهود : ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء. والبنوة هنا بنوة الحنان والرأفة. وما ذكروا من أن الله أوحى إلى إسرائيل أنّ أولادك بكري فضلوا بذلك. وقالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه ، لا يصح. ولو صحّ ما رووا ، كان معناه بكرا في التشريف والنبوة ونحو ذلك. وجعل الزمخشري قولهم : أبناء الله ، على حذف مضاف ، وأقيم هذا مقامه أي : نحن أشياع الله ابني الله عزير والمسيح ، كما قيل لأشياع أبي خبيب