مقدس عن ذلك ، والمخلوق لا يصلح أن يكون بعضا للقديم ، والقديم لا بعض له ، لأن الأحدية حقه ، وإذا لم يكن له عدد لم يجز أن يكون له ولد ، وإذا لم يكن له ولد لم يجز على الوجه الذي اعتقدوه أن بينهم وبينه محبة.
(بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) أضرب عن الاستدلال من غير إبطال له إلى استدلال آخر من ثبوت كونهم بشرا من بعض من خلق ، فهم مساوون لغيرهم في البشرية والحدوث ، وهما يمنعان البنوة. فإنّ القديم لا يلد بشرا ، والأب لا يخلق ابنه ، فامتنع بهذين الوجهين البنوة ، وامتنع بتعذيبهم أن يكونوا أحباء الله ، فبطل الوصفان اللذان ادعوهما.
(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) أي يهديه للإيمان فيغفر له.
(وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أي يورطه في الكفر فيعذبه ، أو يغفر لمن يشاء وهم أهل الطاعة ، ويعذب من يشاء وهم العصاة. قاله الزمخشري. وفيه شيء من دسيسة الاعتزال ، لأنّ من العصاة عندنا من لا يعذبه الله تعالى بل يغفر له. وقيل : المعنى أنه ليس لأحد عليه حق يوجب أن يغفر له ، أو يمنعه أن يعذبه ، ولذلك عقبه بقوله :
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) فله التصرف التام يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه.
(وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي الرجوع بالحشر والمعاد.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) أهل الكتاب هم اليهود والنصارى ، والرسول هو محمد صلىاللهعليهوسلم. وقيل : المخاطب بأهل الكتاب هنا هم اليهود خاصة ، ويرجحه ما روي في سبب النزول : وأن معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب قالوا : يا معشر اليهود اتقوا الله ، فو الله إنكم لتعلمون أنه رسول الله. ويبين لكم أي يوضح لكم ويظهر. ويحتمل أن يكون مفعول يبين حذف اختصار ، أو يكون هو المذكور في الآية. قبل هذا ، أي : يبين لكم ما كنتم تخفون ، أو يكون دل عليه معنى الكلام أي : شرائع الدين. أو حذف اقتصارا واكتفاء بذكر التبيين مسندا إلى الفاعل ، دون أن يقصد تعلقه بمفعول ، والمعنى : يكون منه التبيين والإيضاح. ويبين لكم هنا وفي الآية قبل في موضع نصب على الحال. وعلى فترة متعلق بجاءكم ، أو في موضع نصب على الحال ، والمعنى : على فتور وانقطاع من إرسال الرسل.
والفترة التي كانت بين رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعيسى عليهالسلام قال قتادة : خمسمائة سنة