أول من سنّ القتل ، وكان عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة ، فاشتبهت القصتان من حيث الجبن عن القتل والإقدام عليه ، ومن حيث المعصية بهما. وأيضا فتقدم قوله أوائل الآيات (إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) (١) وبعده (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) (٢) وقوله : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (٣) ثم قصة محاربة الجبارين ، وتبين أنّ عدم اتباع بني إسرائيل محمدا صلىاللهعليهوسلم إنما سببه الحسد هذا مع علمهم بصدقه.
وقصة ابني آدم انطوت على مجموع هذه الآيات من بسط اليد ، ومن الأخبار بالمغيب ، ومن عدم الانتفاع بالقرب ، ودعواه مع المعصية ، ومن القتل ، ومن الحسد. ومعنى واتل عليهم : أي اقرأ واسرد ، والضمير في عليهم ظاهره أنه يعود على بني إسرائيل إذ هم المحدث عنهم أولا ، والمقام عليهم الحجج بسبب همهم ببسط أيديهم إلى الرسول. والمؤمنين فاعلموا بما هو في غامض كتبهم الأول التي لا تعلق للرسول بها إلا من جهة الوحي ، لتقوم الحجة بذلك عليهم ، إذ ذلك من دلائل النبوّة. والنبأ : هو الخبر. وابنا آدم في قول الجمهور عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وغيرهما : هما قابيل وهابيل ، وهما ابناه لصلبه. وقال الحسن : لم يكونا ولديه لصلبه ، وإنما هما أخوان من بني إسرائيل. قال : لأن القربان إنما كان مشروعا في بني إسرائيل ، ولم يكن قبل ، ووهم الحسن في ذلك. وقيل عليه كيف يجهل الدفن في بني إسرائيل حتى يقتدي فيه بالغراب؟ وأيضا فقد قال الرسول عنه : «إنه أول من سن القتل» وقد كان القتل قبل في بني إسرائيل.
ويحتمل قوله : بالحق ، أن يكون حالا من الضمير في : واتل أي : مصحوبا بالحق ، وهو الصدق الذي لا شك في صحته ، أو في موضع الصفة لمصدر محذوف أي : تلاوة ملتبسة بالحق ، والعامل في إذ نبأ أي حديثهما وقصتهما في ذلك الوقت. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون بدلا من النبأ أي : اتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف انتهى. ولا يجوز ما ذكر ، لأن إذ لا يضاف إليها إلا الزمان ، ونبأ ليس بزمان.
وقد طول المفسرون في سبب تقريب هذا القربان وملخصه : أنّ حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى ، وكان آدم يزوّج ذكر هذا البطن أنثى ذلك البطن ، وأنثى هذا ذكر
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ١١.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ١٥.
(٣) سورة المائدة : ٥ / ١٨.