ذلك ، ولا يحل للذكر نكاح توءمته ، فولد مع قابيل أخت جميلة اسمها اقليميا ، وولد مع هابيل أخت دون تلك اسمها لبوذا ، فأبى قابيل إلا أن يتزوّج توءمته لا توءمة هابيل وأن يخالف سنة النكاح إيثارا لجمالها ، ونازع قابيل هابيل في ذلك ، فقيل : أمرهما آدم بتقريب القربان. وقيل : تقربا من عند أنفسهما ، إذ كان آدم غائبا توجه إلى مكة لزيارة البيت بإذن ربه. والقربان الذي قرباه : هو زرع لقابيل ، وكان صاحب زرع ، وكبش هابل وكان صاحب غنم ، فتقبل من أحدهما وهو هابيل ، ولم يتقبل من الآخر وهو قابيل. أي : فتقبل القربان ، وكانت علامة التقبل أكل النار النازلة من السماء القربان المتقبل ، وترك غير المتقبل. وقال مجاهد : كانت النار تأكل المردود ، وترفع المقبول إلى السماء. وقال الزمخشري : يقال : قرب صدقة وتقرب بها ، لأن تقرب مطاوع قرب انتهى. وليس تقرّب بصدقة مطاوع قرب صدقة ، لاتحاد فاعل الفعلين ، والمطاوعة يختلف فيها الفاعل ، فيكون من أحدهما فعل ، ومن الآخر انفعال نحو : كسرته فانكسر ، وفلقته فانفلق ، وليس قربت صدقة وتقربت بها من هذا الباب فهو غلط فاحش.
(قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) هذا وعيد وتهديد شديد ، وقد أبرز هذا الخبر مؤكدا بالقسم المحذوف أي : لأقتلنك حسدا على تقبل قربانك ، وعلى فوزك باستحقاق الجميلة أختي. وقرأ زيد بن علي : لأقتلنك بالنون الخفيفة.
(قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) قال ابن عطية : قبله كلام محذوف تقديره : لم تقتلني وأنا لم أجن شيئا ولا ذنب لي في قبول الله قرباني؟ أما أني أتقيه؟ وكتب علي : لأحب الخلق إنما يتقبل الله من المتقين ، وخطب الزمخشري هنا فقال : (فإن قلت) : كيف كان قوله : إنما يتقبل الله من المتقين ، جوابا لقوله : لأقتلنك؟ (قلت) : لما كان الحسد لأخيه على تقبل قربانه هو الذي حمله على توعده بالقتل قال له : إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التقوى ، لا من قبلي ، فلم تقتلني؟ وما لك لا تعاقب نفسك ولا تحملها على تقوى الله التي هي السبب في القبول ، فأجابه بكلام حكيم مختصر جامع لمعان. وفيه دليل على أن الله تعالى لا يقبل طاعة إلا من مؤمن متق ، فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم. وعن عامر بن عبد الله : أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له : ما يبكيك فقد كنت وكنت : قال : إني أسمع الله يقول : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (١) انتهى
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٢٧.