كلامه. ولم يخل من دسيسة الاعتزال على عادته ، يحتاج الكلام في فهمه إلى هذه التقديرات ، والذي قدرناه أولا كاف وهو : أنّ المعنى لأقتلنك حسدا على تقبل قربانك ، فعرض له بأن سبب قبول القربان هو التقوى وليس متقيا ، وإنما عرض له بذلك لأنه لم يرض بسنة النكاح التي قرّرها الله تعالى ، وقصد خلافها ونازع ، ثم كانت نتيجة ذلك أن برزت في أكبر الكبائر بعد الشرك وهو قتل النفس التي حرمها الله. قال ابن عطية : وأجمع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ أنها اتقاه الشرك ، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة. وقال عدي بن ثابت وغيره : قربان هذه الأمة الصلاة. وقول من زعم أن قوله : إنما يتقبل الله من المتقين ، ليس من كلام المقتول ، بل هو من كلام الله تعالى للرسول اعتراضا بين كلام القاتل والمقتول ، والضمير عائد في قال على الله ليس بظاهر.
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) قال ابن عباس : المعنى ما أنا بمنتصر لنفسي. وقال عكرمة : المعنى ما كنت لأبتدئك بالقتل. وقال مجاهد والحسن : لم يكن الدفع عن النفس في ذلك الوقت جائزا. وقال عبد الله بن عمرو وابن عباس والجمهور : كان هابيل أشد قوّة من قابيل ، ولكنه تحرج من القتل ، وهذا يدل على أن القاتل ليس بكافر وإنما هو عاص ، إذ لو كان كافرا لما تحرّج هابيل من قتله ، وإنما استسلم له كما استسلم عثمان بن عفان. وقيل : إنما ترك الدفع عن نفسه لأنه ظهرت له مخيلة انقضاء عمره فبنى عليها ، أو بإخبار أبيه ، وكما جرى لعثمان إذ بشره الرسول بالجنة على بلوى تصيبه ، ورآه في اليوم الذي قتل في النوم وهو يقول : «إنك تفطر الليلة عندنا» فترك الدفع عن نفسه حتى قتل ، وقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الق على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل». وقيل : إنّ هابيل لاحت له أمارات غلبة الظن من قابيل على قتله ، ولكن لم يتحقق ذلك ، فذكر له هذا الكلام قبل الإقدام على القتل ليزدجر عنه وتقبيحا لهذا الفعل ، ولهذا يروى أنّ قابيل صبر حتى نام هابيل فضرب رأسه بحجر كبير فقتله. وقال ابن جرير : ليس في الآية دليل على أنّ المقتول علم عزل القاتل على قتله ، ثم ترك الدفع عن نفسه. قال الزمخشري : (فإن قلت) : لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل ، وهو قوله : لئن بسطت ما أنا بباسط؟ (قلت) : ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع ، ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي انتهى. وأورد أبو عبد الله الرازي هذا السؤال والجواب ولم ينسبه للزمخشري ، وهو كلام فيه انتقاد. وذلك أن قوله : ما أنا بباسط ، ليس جزاء بل هو جواب للقسم المحذوف قبل اللام في لئن المؤذنة بالقسم