لعلمه أنها لا تنفع ولا تنجع فيها. إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم انتهى. وهو على مذهبه الاعتزالي.
(لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي ذل وفضيحة. فخزي المنافقين بهتك سترهم وخوفهم من القتل إن اطلع على كفرهم المسلمون ، وخزي اليهود تمسكنهم وضرب الجزية عليهم ، وكونهم في أقطار الأرض تحت ذمّة غيرهم وفي إيالته. وقال مقاتل : خزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي بني النضير بإجلائهم.
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) وصف بالعظم لتزايده فلا انقضاء له ، أو لتزايد ألمه أو لهما.
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) قال الحسن : يسمعون الكلام ممن يكذب عندهم في دعواه فيأتيهم برشوة فيأخذونها. وقال أبو سليمان : هم اليهود ويسمعون الكذب ، وهو قول بعضهم لبعض : محمد كاذب ليس بنبي ، وليس في التوراة الرجم ، وهم يعلمون كذبهم. وقيل : الكذب هنا شهادة الزور انتهى. وهذا الوصف إن كان قوله أوّلا : سماعون للكذب ، وصفا لبني إسرائيل.
وتقدم أن السحت المال الحرام. واختلف في المراد به هنا ، فعن ابن مسعود : أنه الرشوة في الحكم ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن ، وثمن الكلب ، والنرد ، والخمر ، والخنزير ، والميتة ، والدم ، وعسب الفحل ، وأجرة النائحة والمغنية ، والساحر ، وأجر مصوّر التماثيل ، وهدية الشفاعة. قالوا وسمي سحتا المال الحرام لأنه يسحت الطاعات أو بركة المال أو الدين أو المروءة وعن ابن مسعود ومسروق : أن المال المأخوذ على الشفاعة سحت. وعن الحسن : أنّ ما أكل الرجل من مال من له عليه دين سحت. وقيل لعبد الله : كنا نرى أنه ما أخذ على الحكم يعنون الرشا ، قال : ذلك كفر ، قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (١). وقال أبو حنيفة : إذا ارتشى الحاكم يعزل ، وفي الحديث : «كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به» وقال علي وأبو هريرة : كسب الحجام سحت ، يعني أنه يذهب المروءة ، وما ذكر في معنى السحت فهو من أمثلة المال الذي لا يحل كسبه.
ومن أعظم السحت الرشوة في الحكم ، وهي المشار إليها في الآية. كان اليهود
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤٥.