يأخذون الرشا على الأحكام وتحليل الحرام. وعن الحسن : كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه فأراه إياها ، وتكلم بحاجته ، فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه ، فيأكل الرشوة ويسمع الكذب. وقرأ النحويان وابن كثير : السحت بضمتين. وقرأ باقي السبعة : بإسكان الحاء. وزيد بن علي وخارجة بن مصعب عن نافع : بفتح السين وإسكان الحاء ، وقرئ بفتحتين. وقرأ عبيد بن عمير : بكسر السين وإسكان الحاء ، فبالضم والكسر والفتحتين اسم المسحوت كالدهن والرّعي والنبض ، وبالفتح والسكون مصدر أريد به المفعول كالصيد بمعنى المصيد ، أو سكنت الحاء طلبا للخفة.
(فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) أي فإن جاؤوك للحكم بينهم فأنت مخير بين أن تحكم ، أو تعرض. والظاهر بقاء هذا الحكم من التخيير لحكام المسلمين. وعن عطاء ، والنخعي ، والشعبي ، وقتادة ، والأصم ، وأبي مسلم ، وأبي ثور : أنهم إذا ارتفعوا إلى حكام المسلمين ، فإن شاؤوا حكموا وإن شاؤوا أعرضوا. وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والحسن ، وعطاء الخراساني ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري : التخيير منسوخ بقوله : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) (١) فإذا جاؤوا فليس للإمام أن يردهم إلى أحكامهم. والمعنى عند غيرهم : وأن احكم بينهم بما أنزل الله إذا اخترت الحكم بينهم دون الإعراض عنهم. وعن أبي حنيفة : إن احتكموا إلينا حملوا على حكم الإسلام ، وأقيم الحدّ على الزاني بمسلمة ، والسارق من مسلم. وأما أهل الحجاز فلا يرون إقامة الحدود عليهم ، يذهبون إلى أنهم قد صولحوا على شركهم وهو أعظم من الحدود ، ويقولون : إنّ رجم اليهوديين كان قبل نزول الجزية. وقال ابن عطية : الأمة مجمعة على أنّ حاكم المسلمين يحكم بين أهل الذمة في التظالم ، ويتسلط عليهم في تغيير ، ومن ذلك حبس السلع المبيعة وغصب المال. فأما نوازل الأحكام التي لا تظالم فيها ، وإنما هي دعاء ومحتملة ، فهي التي يخير فيها الحاكم انتهى. وفيه بعض تلخيص. وظاهر الآية يدل على مجيء المتداعيين إلى الحاكم ، ورضاهما بحكمه كاف في الإقدام على الحكم بينهما. وقال ابن القاسم : لا بد مع ذلك من رضا الأساقفة والرهبان ، فإن رضي الأساقفة دون الخصمين ، أو الخصمان دون الأساقفة ، فليس له أن يحكم. وقال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، والزهري ، وغيرهم : فإن جاؤوك يعني أهل نازلة الزانيين ، ثم الآية تتناول سائر النوازل.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤٩.