إلى تأويل ، وذلك أنه جعل قفيته المضعف بمعنى قفوته ، فيكون فعل بمعنى فعل نحو : قدر الله ، وقدر الله ، وهو أحد المعاني التي جاءت لها فعل ، ثم عداه بالباء ، وتعدية المتعدي لمفعول بالباء لثان قلّ أن يوجد ، حتى زعم بعضهم أنه لا يوجد. ولا يجوز فلا يقال : في طعم زيد اللحم ، أطعمت زيدا باللحم ، والصحيح أنه جاء على قلة تقول : دفع زيد عمرا ، ثم تعديه بالباء فتقول : دفعت زيدا بعمرو. أي : جعلت زيدا يدفع عمرا ، وكذلك صك الحجر الحجر. ثم تقول : صككت الحجر بالحجر أي جعلته يصكه. وأما قوله : المفعول الأول محذوف الظرف كالساد مسده فلا يتجه ، لأنّ المفعول هو مفعول به صريح ، ولا يسد الظرف مسده ، وكلامه مفهم التضمين وإن لم يصرح به. ألا ترى إلى قوله : لأنه إذا قفى به أثره فقد قفى به إياه؟ وقول الزمخشري : فقد قفى به إياه فصل الضمير ، وحقه أن يكون متصلا ، وليس من مواضع فصل لو قلت : زيد ضربت بسوط إيتاه لم يجز إلا في ضرورة شعر ، فإصلاحه زيد ضربته بسوط ، وانتصب مصدقا على الحال من عيسى. ومعنى : لما بين يديه ، لما تقدمه من التوراة لأنها جاءت قبله ، كما أن الرسول بين يدي الساعة. وتقدم الكلام في هذا. وتصديقه إياها هو بكونه مقرا أنها كتاب منزل من الله حقا واجب العمل به قبل ورود النسخ ، إذ شريعته مغايرة لبعض ما فيها.
(وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) هذه الجملة معطوفة على قوله : وقفينا. وفيه تعظيم عيسى عليهالسلام بأن الله آتاه كتابا إلهيّا. وتقدمت قراءة الحسن الإنجيل بفتح الهمزة ، وما ذكروه في اشتقاقه إن كان عربيا.
وقوله : فيه هدى ونور ، في موضع الحال ، وارتفاع هدى على الفاعلية بالجار والمجرور ، إذ قد اعتمد بأن وقع حالا لذي حال أي : كائنا فيه هدى. ولذلك عطف عليه (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) (١) والضمير في يديه عائد على الإنجيل ، والمعنى : أن عيسى وكتابه الذي أنزل عليه هما مصدقان لما تقدمهما من التوراة ، فتظافر على تصديقه الكتاب الإلهي المنزل ، والنبي المرسل المنزل عليه ذلك الكتاب. ومعنى كونه فيه هدى أنه يشتمل على دلائل التوحيد ، وتنزيه الله عن الولد والصاحبة والمثل والضد ، وعلى الإرشاد والدعاء إلى الله تعالى ، وإلى إحياء أحكام التوراة ، والنور هو ما فيه مما يستضاء به إذ فيه بيان أحكام الشريعة وتفاصيلها. قال ابن عطية : ومصدقا حال مؤكدة معطوفة على موضع
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤٦.