في حق المؤمن العاصي عن المكث الطويل ، لا المقترن بالتأبيد ، إذ لا يكون كذلك إلا في حق الكفار.
وذهبت المعتزلة إلى عموم هذه الآية ، وأنها مخصصة بعمومها لقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) واعتمدوا على ما روي عن زيد بن ثابت أنه قال : نزلت الشديدة بعد الهينة ، يريد نزلت : ومن يقتل مؤمنا بعدو يغفر ما دون ذلك ، فكأنه قيل : ويغفر ما دون ذلك إلا من قتل عمدا. وقد نازعوا في دلالة من الشرطية على العموم. وقيل : هو لفظ يقع كثيرا للخصوص كقوله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٢) وليس من حكم من المؤمنين بغير ما أنزل الله بكافر. وقال الشاعر :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه |
|
يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلم |
وإذا سلم العموم فقد دخله التخصيص بالإجماع من المعتزلة وأهل السنة فيمن شهد عليه بالقتل عمدا أو أقرّ بأنه قتل عمدا ، وأتى السلطان أو الأولياء فأقيم عليه الحد وقتل ، فهذا غير متبع في الآخرة. والوعيد غير صائر إليه إجماعا للحديث الصحيح من حديث عبادة : «أنه من عوقب في الدنيا فهو كفارة له» وهذا تخصيص للعموم. وإذا دخله التخصيص فيكون مختصا بالكافر ، ويشهد له سبب النزول كما قدمناه.
ولم تتعرض الآية لتوبة القاتل ، وتكلم فيها المفسرون هنا. فقالت جماعة : لا تقبل توبته ، روي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس. وكان ابن عباس يقول : الشرك والقتل سهمان من مات عليهما خلد ، وكان يقول : هذه الآية مدنية نسخت التي في الفرقان لأنها مكية. وكان ابن شهاب إذا سأله من يفهم منه أنه قتل قال له : توبتك مقبولة ، ومن لم يقتل قال : لا توبة للقاتل. وروي عن ابن عباس في تفسير عبد بن حميد نحو من كلام ابن شهاب. وعن سفيان كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا : لا توبة له. قال الزمخشري : وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد ، وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة ، وناهيك بمحو الشرك دليلا. وفي الحديث : «من أعان على قتل مسلم مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله» والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ، ويسمعون هذه الأحاديث القطعية ، وقول ابن عباس مع التوبة ، ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة ، واتباعهم هواهم ، وما يخيل إليهم مناهم أن يطمعوا في العفو
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٨.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٤٤.