وقال ابن عباس : المراد بالفسق هنا الكفر. وقال مقاتل : المعاصي. وقال ابن زيد : الكذب وظاهر الناس العموم ، وإن كان السياق في اليهود ، وجاء بلفظ العموم لينبه من سواهم. ويحتمل أن يكون الناس للعهد ، وهم اليهود الذين تقدم ذكرهم.
(أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) هذا استفهام معناه الإنكار على اليهود ، حيث هم أهل كتاب وتحليل وتحريم من الله تعالى ، ومع ذلك يعرضون عن حكم الله ويختارون عليه حكم الجاهلية ، وهو بمجرد الهوى من مراعاة الأشرف عندهم ، وترجيح الفاضل عندهم في الدنيا على المفضول ، وفي هذا أشد النعي عليهم حيث تركوا الحكم الإلهي بحكم الهوى والجهل. وقال الحسن : هو عام في كل من يبتغي غير حكم الله. والحكم حكمان : حكم بعلم ، فهو حكم الله. وحكم بجهل فهو حكم الشيطان. وسئل عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض فقرأ هذه الآية. وقرأ الجمهور : أفحكم بنصب الميم ، وهو مفعول يبغون. وقرأ السلمي ، وابن وثاب ، وأبو رجاء ، والأعرج : أفحكم الجاهلية برفع الميم على الابتداء. والظاهر أن الخبر هو قوله : يبغون ، وحسن حذف الضمير قليلا في هذه القراءة كون الجملة فاصلة. وقال ابن مجاهد : هذا خطأ. قال ابن جني : وليس كذلك ، وجد غيره أقوى منه وقد جاء في الشعر انتهى.
وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين. وبعضهم يجيز حذف هذا الضمير في الكلام ، وبعضهم يخصه بالشعر ، وبعضهم يفصل. وهذه المذاهب ودلائلها مذكورة في علم النحو. وقال الزمخشري : وإسقاط الراجع عنه كإسقاطه عن الصلة في «أهذا الذي بعث الله رسولا» وعن الصفة في : الناس رجلان ، رجل أهنت ورجل أكرمت. وعن الحال في : مررت بهند تضرب زيدا انتهى. فإن كان جعل الإسقاط فيه مثل الإسقاط في الجواز والحسن ، فليس كما ذكر عند البصريين ، بل حذفه من الصلة بشروط الحذف فصيح ، وحذفه من الصفة قليل ، وحذفه من الخبر مخصوص بالشعر ، أو في نادر. وإن كان شبهه به من حيث مطلق الإسقاط فهو صحيح. وقال ابن عطية : وإنما تتجه القراءة على أن يكون التقدير : أفحكم الجاهلية حكم تبغون ، فلا تجعل تبغون خبرا بل تجعل صفة خبر محذوف ، ونظيره : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ) (١) تقديره قوم يحرفون انتهى. وهو توجيه ممكن. وقرأ قتادة والأعمش : أفحكم بفتح الحاء والكاف والميم ، وهو جنس لا يراد به واحد كأنه
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤١.