تفسيرية ، وأبعد ذلك من أجل الواو ، ولا يصح ذلك بأن يقدر قبل فعل الأمر فعلا محذوفا فيه معنى القول أي : وأمرناك أن احكم ، لأنه يلزم من ذلك حذف الجملة المفسرة بأن وما بعدها ، وذلك لا يحفظ من كلام العرب. وقرئ بضم النون من : وأن احكم ، اتباعا لحركة الكاف ، وبكسرها على أصل التقاء الساكنين. والضمير في بينهم عائد على اليهود. وقيل : على جميع المتحاكمين.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) تقدم شرح هذه الجملة.
(وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) أي يستزلوك. وحذره عن ذلك ، وإن كان مأيوسا من فتنتهم إياه لقطع أطماعهم ، وقال : عن بعض ، لأن الذي سألوه هو أمر جزئي ، سألوه أن يقضي لهم فيه على خصومهم فأبى منه. وموضع أن يفتنوك نصب على البدل ، ويكون مفعولا من أجله.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) أي فإن تولوا عن الحكم بما أنزل الله وأرادوا غيره. ومعنى : أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ، أن يعذبهم ببعض آثامهم. وأبهم بعضا هنا ويعني به ـ والله أعلم ـ التولي عن حكم الله وإرادة خلافه ، فوضع ببعض ذنوبهم موضع ذلك ، وأراد أنهم ذوو ذنوب جمة كثيرة لا العدد ، وهذا الذنب مع عظمه وهذا الإبهام فيه تعظيم التولي ، وفرط إسرافهم في ارتكابه ، ونظيره قول لبيد :
أو يرتبط بعض النفوس حمامها
أراد نفسه وقصد تفخيم شأنها بهذا الإبهام ، كأنه قال : نفسا كبيرة أو نفسا أي نفس ، وهذا الوعد بالمصيبة قد أنجزه له تعالى بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنضير وإجلاء عمر رضياللهعنه أهل خيبر وفدك وغيرهم. قال ابن عطية : وخصص إصابتهم ببعض الذنوب ، لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم فيها نوعان : نوع يخصهم كشرب الخمر وزناهم ورشاهم ، ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كممالأتهم للكفار ، وأقوالهم في الدين ، فهذا النوع هو الذي توعدهم الله به في الدنيا ، وإنما يعذبون بكل الذنوب في الآخرة. وقال ابن عطية أيضا : فإن تولوا قبله محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر تقديره : لا تتبع واحذر ، فإن حكموك مع ذلك واستقاموا فنعما ذلك ، وإن تولوا فاعلم. ويحسن أن يقدر هذا المحذوف المعادل لقوله : لفاسقون انتهى. ولا يحتاج إلى تقدير هذا.
(وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) أي متمردون مبالغون في الخروج عن طاعة الله.