(إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) هو استئناف في معنى التعليل لأمره تعالى باستباق الخيرات ، كأنه يقول : يظهر ثمرة استباق الخيرات والمبادرة إليها في وقت الرجوع إلى الله تعالى ومجازاته.
(فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي فيخبركم بأعمالكم ، وهي كناية عن المجازاة بالثواب والعقاب ، وهو إخبار إيقاع. قال ابن جرير : قد بين ذلك في الدنيا بالدلالة والحجج ، وغدا يبينه بالمجازاة انتهى. وبهذا التنبيه يظهر الفضل بين المحق والمبطل ، والمسبق والمقصر في العمل. ونبأ هنا جاءت على وضعها الأصلي من تعديتها إلى واحد بنفسها ، وإلى آخر بحرف الجر ، ولم يضمنها معنى أعلم فيعديها إلى ثلاثة.
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)
(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) قال ابن عباس : قال بعض اليهود لبعض منهم ابن صوريا وشاس بن قيس وكعب بن أسيد : اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه ، فأتوه فقالوا : يا محمد قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم ، وإن اتبعناك اتبعك كل اليهود ، وبيننا وبين قوم خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ، فأبى ذلك الرسول صلىاللهعليهوسلم فنزلت. وقال مقاتل : قال جماعة من بني النضير له : هل لك أن تحكم لنا على أصحابنا بني قريظة في أمر الدماء كما كنا عليه من قبل ، ونبايعك؟ فنزلت.
قال القاضي أبو يعلى : وليس هذه الآية تكرارا لما تقدم ، وإنما نزلت في شيئين مختلفين : أحدهما : شأن الرجم ، والآخر التسوية انتهى. وهذه الآية ناسخة عند قوم للتخيير الذي في قوله : (أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) (١) وتقدم ذكر ذلك وأجازوا في : وأن احكم ، أن يكون في موضع نصب عطفا على الكتاب ، أي : والحكم. وفي موضع جر عطفا على بالحق ، وفي موضع رفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر مؤخرا ، والتقدير : وحكمك بما أنزل أنزل الله أمرنا وقولنا. أو مقدما والتقدير : ومن الواجب حكمك بما أنزل الله. وقيل : أن
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٤٢.