وذلك كما ذكرنا إشارة إلى دين المؤمنين ، أو حال أهل الكتاب ، فيحتاج إلى حذف مضاف : إما قبله ، وإما بعده. فيقدر قبله : بشرّ من أصحاب هذه الحال ، ويقدر بعده : حال من لعنه الله ولكون «لعنه الله» (١) إن اسم الإشارة يكون على كل حال من تأنيث وتثنية وجمع كما يكون للواحد المذكر ، فيحتمل أن يكون ذلكم من هذه اللغة ، فيصير إشارة إلى الأشخاص كأنه قال : بشرّ من أولئكم ، فلا يحتاج إلى تقدير مضاف ، لا قبل اسم الإشارة ، ولا بعده ، إذ يصير من لعنه الله تفسير أشخاص بأشخاص. ويحتمل أن يكون ذلكم أيضا إشارة إلى متشخص ، وأفرد على معنى الجنس كأنه قال : قل هل أنبئكم بشر من جنس الكتابي ، أو من جنس المؤمن ، على اختلاف التقديرين اللذين سبقا ، ويكون أيضا من لعنه الله تفسير شخص بشخص.
وقرأ النخعي وابن وثاب : أنبئكم من أنبأ ، وابن بريدة ، والأعرج ، ونبيح ، وابن عمران : مثوبة كمعورة. والجمهور : من نبأ ومثوبة كمعونة. وتقدّم توجيه القراءتين في (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٢) وانتصب مثوبة هنا على التمييز ، وجاء التركيب الأكثر الأفصح من تقديم المفضل عليه على التمييز كقوله : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (٣) وتقديم التمييز على المفضل أيضا فصيح كقوله : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) (٤) وهذه المثوبة هي في الحشر يوم القيامة. فإن لوحظ أصل الوضع فالمعنى مرجوعا ، ولا يدل إذ ذاك على معنى الإحسان. وإن لوحظ كثرة الاستعمال في الخير والإحسان ، فوضعت المثوبة هنا موضع العقوبة على طريقة بينهم في : «تحية بينهم ضرب وجيع» (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٥) ومن في موضع رفع كأنه قيل : من هو؟ فقيل : هو من لعنه الله. أو في موضع جر على البدل من قوله : بشر. وجوّزوا أن يكون في موضع نصب على موضع بشر أي : أنبئكم من لعنه الله. ويحتمل من لعنه الله أن يراد به أسلاف أهل الكتاب كما تقدّم ، أو الأسلاف والأخلاف ، فيندرج هؤلاء الحاضرون فيهم. والذي تقتضيه الفصاحة أن يكون من وضع الظاهر موضع الضمير تنبيها على الوصف الذي حصل به كونه شرا مثوبة ، وهي اللعنة والغضب. وجعل القردة والخنازير منهم ، وعبد الطاغوت ، وكأنه قيل : قل هل أنبئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله أنتم أي : هو أنتم. ويدل على هذا المعنى قوله بعد : (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) (٦) فيكون الضمير واحدا. وقرأ أبي وعبد الله : من غضب الله عليهم ، وجعلهم
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٨ وسورة المائدة : ٥ / ٦٠.
(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٣٣.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٨١.
(٤) سورة فصلت : ٤١ / ٣٣.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ٢١.
(٦) سورة المائدة : ٥ / ٦١.