قردة وخنازير ، وجعل هنا بمعنى صير. وقال الفارسي : بمعنى خلق ، لأن بعده وعبد الطاغوت ، وهو معتزلي لا يرى أنّ الله يصير أحدا عابد طاغوت. وتقدّم الكلام في مسخهم قردة في البقرة.
وأما الذين مسخوا خنازير فقيل : شيوخ أصحاب السبت ، إذ مسح شبانهم قردة قاله : ابن عباس. وقيل : أصحاب مائدة عيسى. وذكرت أيضا قصة طويلة في مسخ بني إسرائيل خنازير ملخصها : أنّ امرأة منهم مؤمنة قاتلت ملك مدينتها ومن معه ، وكانوا قد كفروا بمن اجتمع إليها ممن دعته إلى الجهاد ثلاث مرات وأتباعها يقتلون ، وتنفلت هي ، فبعد الثالثة سبيت واستبرأت في دينها ، فمسخ الله أهل المدينة خنازير في ليلتهم تثبيتا لها على دينها ، فلما رأتهم قالت : اليوم علمت أن الله أعز دينه وأقره ، فكان المسخ خنازير على يدي هذه المرأة ، وتقدم تفسير الطاغوت.
وقرأ جمهور السبعة : وعبد الطاغوت. وقرأ أبيّ : وعبدوا الطاغوت. وقرأ الحسن في رواية : وعبد الطاغوت بإسكان الباء. وخرجه ابن عطية : على أنه أراد وعبدا منوّنا فحذف التنوين كما حذف في قوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) ولا وجه لهذا التخريج ، لأن عبدا لا يمكن أن ينصب الطاغوت ، إذ ليس بمصدر ولا اسم فاعل ، والتخريج الصحيح أن يكون تخفيفا من عبد بفتحها كقولهم : في سلف سلف. وقرأ ابن مسعود في رواية : عبد بضم الباء نحو شرف الرجل أي : صار له عبد كالخلق والأمر المعتاد قاله : ابن عطية : وقال الزمخشري : أي صار معبودا من دون الله كقولك : أمر إذا صار أميرا انتهى. وقرأ النخعيّ وابن القعقاع والأعمش في رواية هارون ، وعبد الطاغوت مبنيا للمفعول ، كضرب زيد. وقرأ عبد الله في رواية : وعبدت الطاغوت مبنيا للمفعول ، كضربت المرأة. فهذه ست قراءات بالفعل الماضي ، وإعرابها واضح. والظاهر أنّ هذا المفعول معطوف على صلة من وصلت بلعنه ، وغضب ، وجعل ، وعبد ، والمبني للمفعول ضعفه الطبري وهو يتجه على حذف الرابط أي : وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم. ويحتمل أن يكون وعبد ليس داخلا في الصلة ، لكنه على تقدير من ، وقد قرأ بها مظهرة عبد الله قرأ ، ومن عبد فإما عطفا على القردة والخنازير ، وإما عطفا على من في قوله : من لعنه الله. وقرأ أبو واقد الأعرابي : وعباد الطاغوت جمع عابد ، كضرّاب زيد. وقرأ ابن عباس في رواية ، وجماعة ، ومجاهد ، وابن وثاب : وعبد الطاغوت جمع عبد ، كرهن ورهن. وقال ثعلب : جمع عابد كشارف وشرف. وقال الزمخشري تابعا للأخفش : جمع عبيد ، فيكون إذ ذاك جمع جمع وأنشدوا :