وقال ابن عطية : عبد لفظ مبالغة كيقظ وندس ، فهو لفظ مفرد يراد به الجنس ، وبنى بناء الصفات لأن عبدا في الأصل صفة وإن كان يستعمل استعمال الأسماء ، وذلك لا يخرجه عن حكم الصفة ، ولذلك لم يمتنع أن يبني منه بناء مبالغة. وأنشد أبني لبيني البيت ، وقال : ذكره الطبري وغيره بضم الباء انتهى. وعد ابن مالك في أبنية أسماء الجمع فعلا فقال : ومنها فعل كنحو سمر وعبد. وقرأ ابن عباس فيما روى عنه عكرمة : وعبد الطاغوت جمع عابد كضارب وضرب ، ونصب الطاغوت أراد عبدا منونا فحذف التنوين لالتقاء الساكنين كما قال : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) (١) فهذه إحدى وعشرون قراءة بقراءة بريد ، تكون اثنين وعشرين قراءة.
قال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف جاز أن يجعل الله منهم عباد الطاغوت؟ (قلت) : فيه وجهان : أحدهما : أنه خذلهم حتى عبدوها ، والثاني : أنه حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقولهم : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٢) انتهى. وهذا على طريق المعتزلة ، وتقدم تفسير الطاغوت. وقرأ الحسن : الطواغيت. وروي أنه لما نزلت كان المسلمون يعيرون اليهود يقولون : يا إخوة القردة والخنازير ، فينكسون رؤوسهم.
(أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) الإشارة إلى الموصوفين باللعنة وما بعدها ، وانتصب مكانا على التمييز. فإن كان ذلك في الآخرة أن يراد بالمكان حقيقة ، إذ هو جهنم ، وإن كان في الدنيا فيكون كناية واستعارة للمكانة في قوله : أولئك شر ، لدخوله في باب الكناية كقولهم : فلان طويل النجاد وهي إشارة إلى الشيء بذكر لوزامه وتوابعه قبل المفضول ، وهو مكان المؤمنين ، ولا شر في مكانهم. وقال الزجاج : شر مكانا على قولكم وزعمكم. وقال النحاس : أحسن ما قيل شرّ مكانا في الآخرة من مكانكم في الدنيا ، لما يلحقكم من الشر. وقال ابن عباس : مكانهم سقر ، ولا مكان أشد شرا منه. والذي يظهر أن المفضول هو غيرهم من الكفار ، لأن اليهود جاءتهم البينات والرسل والمعجزات ما لم يجئ غيرهم كثرة ، فكانوا أبعد ناس عن اتباع الحق وتصديق الرسل وأوغلهم في العصيان ، وكفروا بأنواع من الكفر والرسل ، تنتابهم الغيبة بعد الغيبة ، فأخبر تعالى عنهم بأنهم شر من الكفار.
(وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) أي عن وسط السبيل ، وقصده : أي هم حائرون لا يهتدون إلى مستقيم الطريق.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٤٢.
(٢) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٩.