(وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ) ضمير الغيبة في جاؤوكم لليهود والمعاصرين للرسول وخاصة بالمنافقين منهم قاله : ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، وهو على حذف مضاف. إذ ظاهر الضمير أنه عائد على من قبله التقدير : وإذا جاؤوكم أهلهم أو نساؤهم. وتقدم من قولنا : أن يكون من لعنه الله إلى آخره عبارة عن المخاطبين في قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) (١) وأنه مما وضع الظاهر موضع المضمر فكأنه قيل : أنتم فلا يحتاج هذا إلى حذف مضاف.
كان جماعة من اليهود يدخلون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يظهرون له الإيمان نفاقا فأخبر الله تعالى بشأنهم وأنهم يخرجون كما دخلوا ، لم يتعلقوا بشيء مما سمعوا من تذكير وموعظة ، فعلي هذا الخطاب في جاؤوكم للرسول ، وقيل : للمؤمنين الذين كانوا بحضرة الرسول. وهاتان الجملتان حالان ، وبالكفر وبه حالان أيضا أي : ملتبسين. ولذلك دخلت قد تقريبا لها من زمان الحال ولمعنى آخر وهو : أن أمارات النفاق كانت لائحة عليهم ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم متوقعا لإظهار ما كتموه ، فدخل حرف التوقع وخالف بين جملتي الحال اتساعا في الكلام. وقال ابن عطية : وقوله : وهم ، تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر وهم قد خرجوا به ، فأزال الاحتمال قوله تعالى : وهم قد خرجوا به ، أي هم بأعيانهم انتهى. والعامل في الحالين آمنا أي : قالوا ذلك وهذه حالهم. وقيل : معنى هم للتأكيد في إضافة الكفر إليهم ، ونفى أن يكون من الرسول ما يوجب كفرهم من سوء معاملته لهم ، بل كان يلطف بهم ويعاملهم بأحسن معاملة. فالمعنى : أنهم هم الذين خرجوا بالكفر باختيار أنفسهم ، لا أنك أنت الذي تسببت لبقائهم في الكفر. والذي نقول : إن الجملة الاسمية الواقعة حالا المصدرة بضمير ذي الحال المخبر عنها بفعل أو اسم يتحمل ضمير ذي الحال آكد من الجملة الفعلية ، من جهة أنه يتكرر فيها المسند إليه فيصير نظير : قام زيد زيد. ولما كانوا حين جاءوا الرسول أو المؤمنين قالوا : آمنا ملتبسين بالكفر ، كان ينبغي لهم أن لا يخرجوا بالكفر ، لأن رؤيته صلىاللهعليهوسلم كافية في الإيمان. ألا ترى إلى قول بعضهم حين رأى الرسول : علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، مع ما يظهر لهم من خوارق الآيات وباهر الدلالات ، فكان المناسب أنهم وإن كانوا دخلوا بالكفر أن لا يخرجوا به ، بل يخرجون بالرسول مؤمنين ظاهرا وباطنا. فأكد وصفهم بالكفر بأن كرر المسند إليه تنهبيا على
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٥٩.