علماؤهم وهم أتباعهم في ذلك. واليد في الجارحة حقيقة ، وفي غيرها مجاز ، فيراد بها النعمة تقول العرب : كم يدلي عند فلان ، والقوة والملك والقدرة. قل : إن الفضل بيد الله ، قال الشاعر :
وأنت على أعباء ملكك ذو يد
أي ذو قدرة ، والتأييد والنصر يد الله مع القاضي حين يقضي ، والقاسم حين يقسم. وتأتي صلة (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) (١) أي مما عملنا (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) (٢) أي الذي له عقدة النكاح. وظاهر قول اليهود إن الله يدا فإن كانوا أرادوا الجارحة فهو مناسب مذهبهم إذ هو التجسيم ، زعموا أن ربهم أبيض الرأس واللحية ، قاعد على كرسي. وزعموا أنه فرغ من خلق السموات والأرض يوم الجمعة ، واستلقى على ظهره واضعا إحدى رجليه على الأخرى للاستراحة. وردّ الله تعالى ذلك بقوله : (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) (٣) (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٤) وظاهر مساق الآية يدل على أنهم أرادوا بغلّ اليد وبسطها المجاز عن البخل والجود ، ومنه (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (٥) ولا يقصد من يتكلم بهذا الكلام إثبات يد ولا غل ولا بسط ، ولا فرق عنده بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازا عنه ، كأنهما كلامان متعاقبان على حقيقة واحدة ، حتى أنه يستعمله في ملك لا يعطي عطاء قط ، ولا يمنعه إلا بإشارته من غير استعمال يد وبسطها وقبضها. وقال حبيب في المعتصم :
تعود بسط الكف حتى لو أنه |
|
ثناها لقبض لم تجبه أنامله |
كنى بذلك عن المبالغة في الكرم. وسبب مقالة اليهود ذلك على ما قال ابن عباس : هو أن الله كان يبسط لهم الرزق ، فلما عصوا أمر الرسول وكفروا به كف عنهم ما كان يبسط لهم فقالوا ذلك. وقال قتادة : لما استقرض منهم قالوا ذلك وهو بخيل. وقيل : لما استعان بهم في الديات. وهذه الأسباب مناسبة لسياق الآية. وقال قتادة أيضا : لما أعان النصارى بخت نصر المجوسي على تخريب بيت المقدس قالت اليهود : لو كان صحيحا لمنعنا منه ، فيده مغلولة. وقال الحسن : مغلولة عن عذابهم فهي في معنى : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وهذان القولان يدفعهما قوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (٦). وقال الكلبي :
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٧١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٣٧.
(٣) سورة الأحقاف : ٤٦ / ٣٣.
(٤) سورة ق : ٥ / ٣٨.
(٥) سورة الإسراء : ١٧ / ٢٩.
(٦) سورة المائدة : ٥ / ٦٤.