العدول إلى آخرين من غير الملة أو القرابة إنما يكون مع ضرورة السفر وحلول الموت فيه إلى آخر كلامه ، فظهر منه أن تقدير جواب الشرط هو (إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) فاستشهدوا آخرين من غيركم أو فالشاهدان آخران من غيركم ، والظاهر أن الشرط قيد في شهادة اثنين ذوي عدل من المؤمنين أو آخرين من غير المؤمنين فيكون مشروعية الوصية للضارب في الأرض المشارف على الموت أن يشهد اثنين ، ويكون تقدير الجواب : إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت فاستشهدوا اثنين إما منكم وإما من غيركم ، ولا يكون الشرط إذ ذاك قيدا في آخرين من غيرنا فقط ، بل هو قيد فيمن ضرب في الأرض وشارف الموت فيشهد اثنان منا أو من غيرنا.
وقال ابن عباس في الكلام محذوف تقديره فأصابتكم مصيبة الموت وقد استشهدتموهما على الإيصاء ، وقال ابن جبير تقديره وقد أوصيتم. قيل وهذا أولى لأن الشاهد لا يحلف والموصي يحلف. ومعنى (تَحْبِسُونَهُما) تستوثقونهما لليمين والخطاب لمن يلي ذلك من ولاة الإسلام ، وضمير المفعول عائد في قول على آخرين من غير المؤمنين وظاهر عوده على اثنين منا أو من غيرنا سواء كانا وصيين أو شاهدين ، وظاهر قوله من بعد الصلاة أن الألف واللام للجنس أو من بعد أي صلاة ، وقد قيل بهذا الظاهر وخص ذلك ابن عباس بصلاة دينهما وذلك تغليظ في اليمين ، وقال الحسن بعد العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما ، وقال الجمهور هي صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس وكذا فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم استحلف عديا وتميما بعد العصر عند المنبر ورجح هذا القول بفعله صلىاللهعليهوسلم وبقوله في الصحيح : «من حلف على يمين كاذبة بعد العصر لقي الله وهو عليه غضبان». وبأن التحليف كان معروفا بعدهما فالتقييد بالمعروف يغني عن التقييد باللفظ وبأن جميع الأديان يعظمون هذا الوقت ويذكرون الله فيه فتكون الألف واللام في هذا القول للعهد وكذا في قول الحسن.
(فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنَّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ) ظاهره تقييد حلفهما بوجود الارتياب فمتى لم توجد الريبة فلا تحليف. وينبغي أن يحمل تحليف أبي موسى لليهوديين اللذين استشهدهما مسلم توفي على وصيته على أنه وقعت ريبة وإن لم يذكر ذلك في قصة ذلك المسلم ، والفاء في قوله (فَيُقْسِمانِ) عاطفة هذه الجملة على قوله (تَحْبِسُونَهُما) هذا هو الظاهر. وقال أبو علي وإن شئت لم تقدر الفاء لعطف جملة ولكن تجعله جزاء كقول ذي الرمة :
وإنسان عيني يحسر الماء تارة |
|
فيبدو وتارات يجم فيغرق |