تقديره عندهم إذا حسر بدا فكذلك إذا حبستموهما اقسما انتهى. ولا ضرورة تدعو إلى تقدير شرط محذوف وإبقاء جوابه فتكون الفاء إذ ذاك فاء الجزاء وإلى تقدير مضمر بعد الفاء أي فهما يقسمان وفهو يبدو ، وخرّج أصحابنا بيت ذي الرمة على توجيه آخر وهو أن قوله : يحسر الماء تارة. جملة في موضع الخبر وقد عريت عن الرابط فكان القياس أن لا تقع خبرا للمبتدأ لكنه عطف عليهما بالفاء جملة فيها ضمير المبتدأ فحصل الربط بذلك و (لا نَشْتَرِي) هو جواب قوله فيقسمان بالله وفصل بين القسم وجوابه بالشرط. والمعنى إن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما ، وقيل إن أريد بهما الشاهدان ، فقد نسخ تحليف الشاهدين وإن أريد الوصيّان فليس بمنسوخ تحليفهما وعن عليّ أنه كان يحلّف الشاهد والراوي إذا اتهمها ، والضمير في (بِهِ) عائد على الله أو على القسم أو على تحريف الشهادة ، أقوال ثالثها لأبي علي ، وقوله : (نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) كناية عن الاستبدال عرضا من الدنيا وهو على حذف مضاف أي ذا ثمن لأن الثمن لا يشترى ولا يصح أن يكون (لا نَشْتَرِي) لا نبيع هنا وإن كان ذلك في اللغة. قال الزمخشري أن لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم لأجله قريبا منا وذلك على عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبدا فإنهم داخلون تحت قوله : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (١) وإنما قال فإنهم داخلون إلى آخره لأن الاثنين والآخرين عنده مؤمنون فاندرجوا في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ) الآية. قال ابن عطية وخص ذا القربى بالذكر لأن العرف ميل النفس إلى أقربائهم واستسهالهم في جنب نفعهم ما لا يستسهل والجملة من قوله : (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ) معطوفة على قوله : (لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً) فيكون من جملة المقسم عليه وأضاف الشهادة إلى الله لأنه تعالى هو الآمر بإقامتها الناهي عن كتمانها ويحتمل أن يكون (وَلا نَكْتُمُ) خبرا منهما أخبرا عن أنفسهما أنهما لا يكتمان شهادة الله ولا يكون داخلا تحت المقسم عليه. وقرأ الحسن والشعبي (وَلا نَكْتُمُ) بجزم الميم نهيا أنفسهما عن كتمان الشهادة ودخول لا الناهية على المتكلم قليل نحو قوله :
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد |
|
بها أبدا ما دام فيها الجراضم |
وقرأ علي ونعيم بن ميسرة والشعبي بخلاف عنه (شَهادَةَ اللهِ) بنصبهما وتنوين (شَهادَةُ) وانتصبا بنكتم التقدير ولا نكتم الله شهادة ، قال الزهراوي ويحتمل أن يكون المعنى ولا
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٣٥.