لشغل الحرف بحركة الاتباع كما قدر الأعرابي في قراءة من قرأ الحمد لله بكسر الدال لأجل اتباع حركة الله فقولك : يا حار هو مضموم تقديرا وإن كانت الثاء المحذوفة مشغولة في الأصل بحركة الاتباع ، وهي الفتحة فلا تنافي بين الترخيم وبين ما فتح اتباعا وقدرت فيه الضمة ، وكان ينبغي للزمخشري أن يتكلم على هذه المسألة قبل هذا في قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ) حيث تكلم الناس عليها.
(قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) لما أمرهم عيسى بتقوى الله منكرا عليهم ما تقدم من كلامهم صرحوا بسبب طلب المائدة وأنهم يريدون الأكل منها ، وذلك للشرف لا للشبع واطمئنان قلوبهم بسكون الفكر ، إذا عاينوا هذا المعجز العظيم النازل من السماء وعلم الضرورة والمشاهدة بصدقه فلا تعترض الشبه اللاحقة في علم الاستدلال وكينونتهم من المشاهدين بهذه الآية الناقلين لها إلى غيرهم ، القائمين بهذا الشرع أو من الشاهدين لله بالوحدانية ولك بالنبوّة ، وقد طول بعض المفسرين في تفسير متعلق إرادتهم بهذه الأشياء وملخصها أنهم أرادوا الأكل للحاجة وشدة الجوع. قال ابن عباس وكان إذا خرج اتبعه خمسة آلاف أو أكثر من صاحب له وذي علة يطلب البرء ومستهزئ فوقعوا يوما في مفازة ولا زاد فجاعوا وسألوا من الحواريين أن يسألوا عيسى نزول مائدة من السماء فذكر شمعون لعيسى ذلك فقال : قل لهم اتقوا الله ، وأرادوا الأكل ليزدادوا إيمانا. قال ابن الأنباري أو التشريف بالمائدة ذكره الماوردي والاطمئنان إما بأن الله قد بعثك إلينا أو اختارنا أعوانا لك أو قد أجابك أو العلم بالصدق في أنا إذا صمنا لله تعالى ثلاثين يوما. لم نسأل الله شيئا إلا أعطانا أو في أنك رسول حقا إذ المعجز دليل الصدق وكانوا قبل ذلك لم يروا الآيات ، أو يراد بالعلم الضروري والمشاهدة انتهى. وأتت هذه المعاطيف مرتبة ترتيبا لطيفا وذلك أنهم لا يأكلون منها إلّا بعد معاينة نزولها فيجتمع على العلم بها حاسة الرؤية وحاسة الذوق فبذلك يزول عن القلب قلق الاضطراب ويسكن إلى ما عاينه الإنسان وذاقه ، وباطمئنان القلب يحصل العلم الضروري بصدق من كانت المعجزة على يديه إذ جاءت طبق ما سأل ، وسألوا هذا المعجز العظيم لأن تأثيره في العالم العلوي بدعاء من هو في العالم الأرضي أقوى وأغرب من تأثير من هو في العالم الأرضي في عالمه الأرضي ، ألا ترى أن من أعظم معجزات رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن وانشقاق القمر وهما من العالم العلوي وإذا حصل عندهم العلم الضروري بصدق عيسى شهدوا شهادة يقين لا يختلج بها ظن ولا شك ولا وهم وبذكرهم هذه الأسباب الحاملة على طلب