في المستثنين ، وإن أريد بالولدان الأطفال فهم لا يكونون إلا عاجزين فلا يتوجه عليهم وعيد ، بخلاف الرّجال والنساء قد يكونون عاجزين ، وقد يكونون غير عاجزين. وإنما ذكروا مع الرّجال والنساء وإن كانوا لا يتوجه عليهم الوعيد باعتبار أنّ عجزهم هو عجزهم لآبائهم الرّجال والنساء ، لأنّ من أقوى أسباب العجز وعدم الحنكة وكون الرّجال والنساء مشغولين بأطفالهم ، مشغوفين بهم ، فيعجزون عن الهجرة بسبب خوف ضياع أطفالهم وولدانهم. فذكر الولدان في المستثنين تنبيه على أعظم طرق العجز للرّجال والنساء ، لأن طرق العجز لا تنحصر ، فنبه بذكر عجز الولدان على قوة عجز الآباء والأمهات بسببهم.
قال الزمخشري : ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرّجال والنساء ، فيلحقوا بهم في التكليف انتهى. وليس بجيد ، لأنّ المراهق لا يلحق بالمكلف أصلا ، ولا وعيد عليه ما لم يكلف. وقيل : يحتمل أن يراد بالمستضعفين أسرى المسلمين الذين هم في أيدي المشركين لا يستطيعون حيلة إلى الخروج ، ولا يهتدون إلى تخليص أنفسهم. وهذا الاستثناء قال الزجاج : هو من قوله : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) (١). قال غيره : كأنه قيل : فأولئك في جهنم إلا المستضعفين ، فعلى هذا استثناء متصل. والذي يقتضيه النظر أنه استثناء منقطع ، لأن قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) (٢) إلى آخره يعود الضمير في مأواهم إليهم. وهم على أقوال المفسرين إما كفار ، وإما عصاة بالتخلف عن الهجرة وهم قادرون ، فلم يندرج فيهم المستضعفون المستثنون لأنهم عاجزون ، فهو منقطع لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا.
الحيلة : لفظ عام لأنواع أسباب التخلص. والسبيل هنا طريق المدينة قاله : مجاهد ، والسدي. وغيرهما. قال ابن عطية : والصواب أنه عام في جميع السبل ، يعني المخلصة من دار الكفر انتهى. وقيل : لا يعرفون طريقا إلى الخروج ، وهذه الجملة قيل : مستأنفة. وقيل : في موضع الحال. وقال الزمخشري : صفة للمستضعفين ، أو الرّجال والنساء والولدان. قال : وإنما جاز ذلك والجمل نكرات ، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس بشيء بعينه كقوله :
ولقد أمر على اللئيم يسبني
انتهى كلامه.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٩٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٩٧.