وأجاهد وأقوم الليل ، فيجوز أن يقال لهذا على تجوز كذبت أي أنت لا تصلح لفعل الخير ولا يصلح لك.
والثاني من وجوه الرّفع أن يكون رفع و (لا نُكَذِّبَ) و (نَكُونَ) على الاستئناف فأخبروا عن أنفسهم بهذا فيكون مندرجا تحت القول أي قالوا : يا ليتنا نرد وقالوا : نحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين فأخبروا أنهم يصدر عنهم ذلك على كل حال. فيصح على هذا تكذيبهم في هذا الإخبار ورجح سيبويه هذا الوجه وشبهه بقوله : دعني ولا أعود ، بمعنى وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني.
والثالث من وجوه الرّفع : أن يكون و (لا نُكَذِّبَ) و (نَكُونَ) في موضع نصب على الحال ، التقدير يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين ، فيكون داخلا قيدا في الرد المتمني وصاحب الحال هو الضمير المستكن في نرد ويجاب عن قوله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) بالوجهين اللذين ذكرا في إعراب (وَلا نُكَذِّبَ) و (نَكُونَ) إذا كانا معطوفين على نرد. وحكي أن بعض القراء قرأ (وَلا نُكَذِّبَ) بالنصب (وَنَكُونَ) بالرفع فالنصب عطف على مصدر متوهم والرفع في (وَنَكُونَ) عطف على (نُرَدُّ) أو على الاستئناف أي ونحن نكون وتضعف فيه الحال لأنه مضارع مثبت فلا يكون حالا بالواو إلا على تأويل مبتدأ محذوف نحو نجوت ، وأرهنهم مالكا وأنا أرهنهم مالكا والظاهر أنهم تمنوا الرّد من الآخرة إلى الدنيا. وحكى الطبري تأويلا في الرّد وهو أنهم تمنوا أن يردوا من عذاب النار إلى الوقوف على النار التي وقفوا عليها فالمعنى : يا ليتنا نوقف هذا الوقوف غير مكذبين بآيات ربنا كائنين من المؤمنين ، قال : ويضعف هذا التأويل من غير وجه ويبطله ، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ولا يصح أيضا التكذيب في هذا التمني لأنه تمني ما قد مضى ، وإنما يصح التكذيب الذي ذكرناه قبل هذا على تجوز في تمني المستقبلات ؛ انتهى. وأورد بعضهم هنا سؤالا فقال : فإن قيل كيف يتمنون الرّد مع علمهم بتعذر حصوله ، وأجاب بقوله : قلنا لعلهم لم يعلموا أن الرد لا يحصل ، والثاني : أن العلم بعدم الرد لا يمنع من الإرادة كقوله : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ) (١) و (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) (٢). انتهى. ولا يرد هذا السؤال لأن التمني هنا على الممتنع وهو أحد قسمي ما يكون التمني له في لسان العرب ، والأصح أن (يا) في قوله (يا لَيْتَ) حرف تنبيه لا حرف نداء والمنادى محذوف لأنّ في هذا حذف جملة النداء وحذف متعلقه رأسا وذلك إجحاف كثير.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٣٧.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٥٠.