(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ بَلْ) هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما سبق ، وهكذا يجيء في كتاب الله تعالى إذا كان ما بعدها من إخبار الله تعالى لا على سبيل الحكاية عن قوم ، تكون (بَلْ) فيه للإضراب كقوله (بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) (١) ومعنى (بَدا) ظهر. وقال الزجاج : (بَلْ) هنا استدراك وإيجاب نفي كقولهم : ما قام زيد بل قام عمرو ؛ انتهى. ولا أدري ما النفي الذي سبق حتى توجبه (بَلْ). وقال غيره : (بَلْ) رد لما تمنوه أي ليس الأمر على ما قالوه ؛ لأنهم لم يقولوا ذلك رغبة في الإيمان بل قالوه إشفاقا من العذاب وطمعا في الرحمة ؛ انتهى. ولا أدري ما هذا الكلام ، والظاهر أن الضمير في (لَهُمْ) عائد على من عاد عليه في وقفوا. قال أبو روق : وهم جميع الكافرين يجمعهم الله ويقول (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ) الآية فيقولون (وَاللهِ رَبِّنا) الآية ، فتنطق جوارحهم وتشهد بأنهم كانوا يشركون في الدنيا وبما كتموا ، فذلك قوله (بَلْ بَدا لَهُمْ) فعلى هذا يكون من قبل راجعا إلى الآخرة أي من قبل بدوه في الآخرة. وقال قتادة : يظهر (ما كانُوا يُخْفُونَ) من شركهم. وقال ابن عباس : هم اليهود والنصارى ، وذلك أنهم لو سئلوا في الدّنيا هل تعاقبون على ما أنتم عليه؟ قالوا : لاثم ظهر لهم عقوبة شركهم في الآخرة فذلك قوله (بَلْ بَدا لَهُمْ). وقيل : كفار مكة ظهر لهم ما أخفوه من أمر البعث بقولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) بعد الموت (٢) وقيل : المنافقون كانوا يخفون الكفر فظهر لهم وباله يوم القيامة. وقيل : الكفار الذين كانوا إذا وعظهم الرسول خافوا وأخفوا ذلك الخوف لئلا يشعر بهم أتباعهم فيظهر ذلك لهم يوم القيامة. وقيل : اليهود والنصارى وسائر الكفار ويكون الذي يخفونه نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وأحواله والمعنى بدا لهم صدقك في النبوّة وتحذيرك من عقاب الله ، وهذه الأقوال على أن الضمير في (لَهُمْ) و (يُخْفُونَ) عائد على جنس واحد. وقيل : الضمير مختلف أي بدا للاتباع ما كان الرؤساء يخفونه عنهم من الفساد ، وروي عن الحسن نحو هذا. وقيل : بدا لمشركي العرب ما كان أهل الكتاب يخفونه عنهم من البعث ، وأمر النار لأنه سبق ذكر أهل الكتاب في قوله (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) (٣) يعرفونه. وقيل : (بَلْ بَدا لَهُمْ) أي لبعضهم ما كان يخفيه عنه بعضهم ، فأطلق كلّا على بعض مجازا. وقال الزهراوي : ويصح أن يكون مقصود الآية الإخبار عن هول يوم القيامة فعبر عن ذلك بأنهم ظهرت لهم مستوراتهم في
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٥.
(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٣٧.
(٣) سورة القصص : ٢٨ / ٥٢.