ولو ذهب ذاهب إلى أن الرحمة مفعول من أجله وأن أنه في موضع نصب لكتب أي لأجل رحمته إياكم لم يبعد ولكن الظاهر أن الرحمة مفعول (كَتَبَ) واستدل المعتزلة بقوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (١) أنه لا يخلق الكفر في الكافر لأن الرحمة تنافي ذلك وتنافي تعذيبه أبد الآباد.
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) الكاف للتشبيه وذلك إشارة إلى التفصيل الواقع في هذه السورة أي ومثل ذلك التفصيل البين نفصل آيات القرآن ونلخصها في صفة أحوال المجرمين من هو مطبوع على قلبه لا يرجى إسلامه ومن ترى فيه أمارة القبول وهو الذي يخاف إذا سمع ذكر القيامة ومن دخل في الإسلام إلا أنه لا يحفظ حدوده. وقيل : المعنى كما فصلنا في هذه السورة دليل على صحة التوحيد والنبوة والقضاء والقدر نفصل لك دليلنا وحججنا في تقرير كل حق ينكره أهل الباطل. وقيل : إشارة إلى التفصيل للأمم السابقة ومثل ذلك التفصيل لمن كان قبلكم نفصل لكم. وقال التبريزي : معناه كما بينا للشاكرين والكافرين. وقال ابن قتيبة : تفصيلها إتيانها متفرقة شيئا بعد شيء. وقال تاج القراء : الفصل بون ما بين الشيئين والتفصيل التبيين بين المعاني الملتبسة. وقال ابن عطية : والإشارة بقوله : (وَكَذلِكَ) إلى ما تقدم من النهي عن طرد المؤمنين وبيان فساد منزع المعارضين لذلك ، وتفصيل الآيات تبيينها وشرحها وإظهارها ؛ انتهى. واستبان يكون لازما ومتعدّيا وتميم وأهل نجد يذكرون السبيل وأهل الحجاز يؤنثونها.
وقرأ العربيان وابن كثير وحفص (وَلِتَسْتَبِينَ) بالتاء (سَبِيلُ) بالرفع. وقرأ الأخوان وأبو بكر وليستبين بالياء (سَبِيلُ) بالرفع فاستبان هنا لازمة أي ولتظهر سبيل المجرمين. وقرأ نافع (وَلِتَسْتَبِينَ) بتاء الخطاب (سَبِيلُ) بالنصب فاستبان هنا متعدية. فقيل : هو خطاب للرسول صلىاللهعليهوسلم. وقيل له ظاهرا والمراد أمته لأنه صلىاللهعليهوسلم كان استبانها وخص (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) لأنه يلزم من استبانتها استبانة سبيل المؤمنين أو يكون على حذف معطوف لدلالة المعنى عليه التقدير سبيل المجرمين والمؤمنين. وقيل : خص (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) لأنهم الذين أثاروا ما تقدم من الأقوال وهم أهم في هذا الموضع لأنها آيات رد عليهم ، وظاهر المجرمين العموم وتأوله ابن زيد على أنه عنى بالمجرمين الآمرون بطرد الضعفة واللام في (وَلِتَسْتَبِينَ) متعلقة بفعل متأخر أي (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) فصلناها لكم أو قبلها
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٥٤.