بل هذه سنة من قبلك من الأنبياء. وعدو كما قلنا قبل في معنى أعداء. وقال تعالى : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (١). وقال الشاعر :
إذ أنا لم أنفع صديقي بودّه |
|
فإن عدوّي لن يضرهم بغضي |
وأعرب الحوفي والزمخشري وابن عطية وأبو البقاء هنا كإعرابهم (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) وجوّزوا في شياطين البدلية من عدوا ، كما جوّزوا هناك بدلية الجن من شركاء وقد رددناه عليهم. والظاهر أن قوله (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) هو من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي الإنس والجن الشياطين فيلزم أن يكون من الإنس شياطين ومن الجن شياطين ، والشيطان هو المتمرّد من الصنفين كما شرحناه. وهذا قول قتادة ومجاهد والحسن ، وكذا فهم أبوذر من قول الرسول له : «هل تعوّذت من شياطين الجن والإنس» قلت : يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ قال : «نعم وهم شر من شياطين الجن».
وقال مالك بن دينار شيطان الإنس عليّ أشد من شيطان الجن لأني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن ، وشيان الإنس يجيئني ويجرني إلى المعاصي عيانا.
وقال عطاء : أما أعداء النبي صلىاللهعليهوسلم من شياطين الإنس : فالوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأبو جهل بن هشام والعاصي بن عمرو ، وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث والأسود بن عبد الأسد وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وعتبة بن أبي معيط والوليد بن عتبة وأبيّ وأمية ابنا خلف ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وعتبة بن عبد العزى ، ومعتب بن عبد العزى. وفي الحديث : «ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قيل : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : «ولا أنا إلا أن الله عافاني وأعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».
وقيل : الإضافة ليست من باب إضافة الصفة للموصوف بل هي من باب غلام زيد أي شياطين الإنس والجن ، أي متمردين مغوين لهم. وعلى هذا فسره عكرمة والضحاك والسدّي والكلبي قالوا : ليس من الإنس شياطين والمعنى شياطين الإنس التي مع الإنس ، وشياطين الجن التي مع الجن ، قسم إبليس جنده فريقا إلى الإنس وفريقا إلى الجنّ ، يتلاقون فيأمر بعض بعضا أن يضل صاحبه بما أضل هو به صاحبه ، ورجحت هذه الإضافة بأن أصل الإضافة المغايرة بين المضاف والمضاف إليه ، ورجحت الإضافة السابقة بأن
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٥٠.