المفعول الأول و (أَكابِرَ) المفعول الثاني والتقدير مجرميها أكابر ، وما أجازاه خطأ وذهول عن قاعدة نحوية وهو أن أفعل التفضيل إذا كان بمن ملفوظا بها أو مقدرة أو مضافة إلى نكرة كان مفردا مذكرا دائما سواء كان لمذكر أو مؤنث مفرد أو مثنى أو مجموع ، فإذا أنث أو ثنى أو جمع طابق ما هو له في ذلك ولزمه أحد أمرين : إما الألف واللام أو الإضافة إلى معرفة ، وإذا تقرر هذا فالقول بأن (مُجْرِمِيها) بدل من (أَكابِرَ) أو أن (مُجْرِمِيها) مفعول أول خطأ لالتزامه أن يبقى (أَكابِرَ) مجموعا وليس فيه ألف ولام ولا هو مضاف إلى معرفة وذلك لا يجوز ، وقد تنبه الكرماني لهذه القاعدة فقال : أضاف الأكابر إلى مجرميها لأن أفعل لا يجمع إلا مع الألف واللام أو مع الإضافة ؛ انتهى. وكان ينبغي أن يقيد فيقول : أو مع الإضافة إلى معرفة وقدر بعضهم المفعول الثاني محذوفا أي فساقا (لِيَمْكُرُوا فِيها) وهو ضعيف جدا لا يجوز أن يحمل القرآن عليه ، وقال ابن عطية : ويقال أكابرة كما قالوا أحمر وأحامرة ومنه قول الشاعر :
إن الأحامرة الثلاثة أهلكت |
|
مالي وكنت بهنّ قدما مولعا |
انتهى ، ولا أعلم أحدا أجاز في الأفاضل أن يقال الأفاضلة بل الذي ذكره النحويون أن أفعل التفضيل يجمع للمذكر على الأفضلين أو الأفاضل ، وخص الأكابر لأنهم أقدر على الفساد والتحيل والمكر لرئاستهم وسعة أرزاقهم واستتباعهم الضعفاء والمحاويج. قال البغوي : سنة الله أنه جعل أتباع الرسل الضعفاء كما قال : (وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١) وجعل فساقهم أكابرهم ، وكان قد جلس على طريق مكة أربعة ليصرفوا الناس عن الإيمان بالرسول يقولون لكل من يقدم إياك وهذا الرجل فإنه ساحر كاهن كذاب وهذه الآية تسلية للرسول إذ حاله في أن كان رؤساء قومه يعادونه كما كان في كل قرية من يعاند الأنبياء ، وقرأ ابن مسلم أكبر مجرميها وأفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وكان لمثنى أو مجموع أو مؤنث جاز أن يطابق وجاز أن يفرد كقوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) (٢) وتحرير هذا وتفصيله وخلافه مذكور في علم النحو ، ولام (لِيَمْكُرُوا) لام كي. وقيل : لام العاقبة والصيرورة.
(وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) أي وباله يحيق بهم كما قال ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله (وَما يَشْعُرُونَ) يحيق ذلك بهم ولا يعني شعورهم على الإطلاق وهو مبالغة في نفي العلم إذ نفى عنهم الشعور الذي يكون للبهائم.
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ١١١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٩٦.