(وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ) قال مقاتل : روي أن الوليد بن المغيرة قال : لو كانت النبوّة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا وأكثر منك مالا. روي أن أبا جهل قال : زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا : منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به ولا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ونحوه ، (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) (١) والآية العلامة على صدق الرسول والضمير في (جاءَتْهُمْ) عائد على الأكابر قاله الزجاج. وقال غيره : يعود على المجادلين في أكل الميتة وتغيية إيمانهم بقوله : (حَتَّى نُؤْتى) دليل على تمحلهم في دعواهم واستبعاد منهم أن الإيمان لا يقع منهم البتة إذ علقوه بمستحيل عندهم ، وقولهم : (رُسُلُ اللهِ) ليس فيه إقرار بالرسل من الله وإنما قالوا ذلك على سبيل التهكم والاستهزاء ، ولو كانوا موقنين وغير معاندين لا تبعوا رسل الله والمثلية كونهم يجري على أيديهم المعجزات فتحيى لهم الأموات ويفلق لهم البحر ونحو ذلك ، كما جرت على أيدي الرسل أو النبوّة أو جبريل والملائكة أو انشقاق القمر أو الدخان أو آية من القرآن تأمرهم بالإيمان أقوال آخرها للحسن وابن عباس ، وفيه تأمرهم باتباع الرسول وأولاها النبوّة والرسالة لقوله : (اللهُ أَعْلَمُ) حيث يجعل رسالاته فظاهره يدل على أنه المثلية هي في الرسالة. وقال الماتريدي : أخبر عن غاية سفههم وأنهم ينكرون رسالته عن علم بها ولو لا ذلك ما تمنوا أن يؤتوا مثل ما أوتي ؛ انتهى ولم يتمنوا ذلك إنما أخبروا أنهم لا يؤمنون حتى يؤتوا مثل ما أوتي الرسل فعلقوا ذلك على ممتنع وقصدوا بذلك أنهم لا يؤمنون البتة.
(اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) هذا استئناف إنكار عليهم وأنه تعالى لا يصطفي للرسالة إلا من علم أنه يصلح لها وهو أعلم بالجهة التي يضعها فيها وقد وضعها فيمن اختاره لها وهو رسول الله محمد صلىاللهعليهوسلم دون أكابر مكة كأبي جهل والوليد بن المغيرة ونحوهما. وقيل : الأبلغ في تصديق الرسل أن لا يكونوا قبل البعث مطاعين في قومهم لأنهم إن كانوا مطاعين قبل اتبعوا لأجل الطاعة السابقة وقالوا : حيث لا يمكن إقرارها على الظرفية هنا. قال الحوفي : لأنه تعالى لا يكون في مكان أعلم منه في مكان فإذا لم تكن ظرفا كانت مفعولا على السعة والمفعول على السعة لا يعمل فيه أعلم لأنه لا يعمل في المفعولات فيكون العامل فيه فعل دل عليه أعلم. وقال أبو البقاء : والتقدير يعلم موضع
__________________
(١) سورة المدّثر : ٧٤ / ٥٢.