(لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي لهم الجنة و (السَّلامِ) اسم من أسماء الله تعالى كما قيل في الكعبة بيت الله قاله ابن عباس وقتادة وأضيفت إليه تشريفا أو دار السلامة من كل آفة والسّلام والسلامة بمعنى كاللذاد واللذاذة والضلال والضلالة قاله الزجاج ، أو (دارُ السَّلامِ) بمعنى التحية لأن تحية أهلها فيها سلام قاله أبو سليمان الدمشقي ، ومعنى (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في نزله وضيافته كما تقول : نحن اليوم عند فلان أي في كرامته وضيافته قاله قوم ، أو في الآخرة بعد الحشر قاله ابن عطية ، أو في ضمانه كما تقول لفلان : عليّ حق لا ينسى أو ذخيرة لهم لا يعلمون كنهها لقوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (١) قاله قوم منهم الزمخشري أو على حذف مضاف ، أو عند لقاء ربهم قاله قوم أو في جواره كما جاء في جوار الرحمن في جنة عدن على الظرفية المجازية الدالة على شرف الرتبة والمنزلة ، كما قاله في صفة الملائكة (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) (٢) ، وكما قال (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٣) وكما قال (ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) (٤) وهو وليهم أي مواليهم ومحبهم أو ناصرهم على أعدائهم أو متوليهم بالجزاء على أعمالهم.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) جميعا (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) الظاهر العموم في الثقلين لتقدم ذكر الشياطين وهم الجنّ والكفرة أولياؤهم والمؤمنون الذين (لَهُمْ دارُ السَّلامِ) قال معناه الزمخشري وابن عطية ، قال ابن عطية : ويدل عليه التأكيد العام بقوله : (جَمِيعاً). وقال التبريزي : وهذا النداء يدل على أن الضمير في يحشرهم دخل فيه الجنّ حين حشرهم ثم ناداهم ، أما الثقلان فحسب أو هما وغيرهما من الخلائق ؛ انتهى. ومن جعل ويوم معطوفا على (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ويوم نحشرهم فالعامل في الظرف وليهم وكان الضمير خاصا بالمؤمنين وهو بعيد ، والأولى أن يكون الظرف معمولا لفعل القول المحكي به النداء أي ويوم نحشرهم نقول يا معشر الجن وهو أولى مما أجاز بعضهم من نصبه باذكر مفعولا به لخروجه عن الظرفية ومما أجاز الزمخشري من نصبه بفعل مضمر غير فعل القول واذكر تقديره عنده (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) وقلنا (يا مَعْشَرَ الْجِنِ) كان ما لا يوصف لفظاعته لاستلزامه حذف جملتين من الكلام جملة وقلنا وجملة العامل ، وقدر الزجاج فعل القول المحذوف مبنيا للمفعول التقدير فيقال لهم لأنه يبعد أن يكلمهم الله شفاها بدليل قوله
__________________
(١) سورة السجدة : ٣٢ / ١٧.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ١٩.
(٣) سورة القمر : ٥٤ / ٥٥.
(٤) سورة التحريم : ٦٦ / ١١.