(وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) (١) ونداؤهم نداء شهرة وتوبيخ على رؤوس الأشهاد والمعشر الجماعة ويجمع على معاشر كما جاء نحن معاشر الأنبياء لا نورث. وقال الأفوه :
فينا معاشر لن يبنوا لقومهم |
|
وإن بنى قومهم ما أفسدوا وعادوا |
ومعنى الاستكثار هنا إضلالهم منهم كثيرا وجعلهم أتباعهم كما تقول : استكثر فلان من الجنود واستكثر فلان من الأشياع. وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : أفرطتم في إضلالهم وإغوائهم. وقرأ حفص يحشرهم بالياء وباقي السبعة بالنون.
(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) وقال : أولياء الجن أي الكفار من الإنس (رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ) انتفع (بَعْضُنا بِبَعْضٍ) فانتفاع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى التوصلات إليها ، وانتفاع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم في إغوائهم روي هذا المعنى عن ابن عباس وبه قال محمد بن كعب والزجاج. وقال ابن عباس أيضا ومقاتل : استمتاع الإنس بالجن قول بعضهم : أعوذ بعظيم هذا الوادي من شر أهله إذا بات بالوادي في سفره ، واستمتاع الجن بالإنس افتخارهم على قومهم وقولهم : قد سدنا الإنس حتى صاروا يعوذون بنا. قال الكرماني : كانوا يعتقدون أن الأرض مملوءة جنا وأن من لم يدخله جني في جواره خبله الآخرون ، وكذلك كانوا إذا قتلوا صيد استعاذوا بهم لأنهم يعتقدون أن هذه البهائم للجن منها مراكبهم. وقيل : في كون عظامهم طعاما للجن وأرواث دوابهم علفا واستمتاع الإنس بالجن استعانتهم بهم على مقاصدهم حين يستخدمونهم بالعزائم ، أو يلقون إليهم بالمودة ؛ انتهى. ووجوه الاستمتاع كثيرة تدخل هذه الأقوال كلها تحتها فينبغي أن يعتقد في هذه الأقوال أنها تمثيل في الاستمتاع لا حصر في واحد منها ، وظاهر قوله : (اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي بعض الإنس بالجن وبعض الجن بالإنس. وقيل : المعنى استمتع بعض الإنس ببعضه وبعض الجن ببعضه ، جعل الاستمتاع لبعض الصنف لبعض والقول السابق بعض الصنفين ببعض الصنفين والأجل الذي بلغوه الموت قاله الجمهور وابن عباس والسدي وغيرهما. وقيل : البعث والحشر ولم يذكر الزمخشري غيره. وقيل : هو الغاية التي انتهى إليها جميعهم من الاستمتاع وهذا القول منهم اعتذار عن الجن في كونهم استكثروا منهم وإشارة إلى أن ذلك بقدرك وقضائك إذ لكل كتاب أجل واعتراف بما كان منهم من طاعة الشياطين واتباع الهوى والتكذيب بالبعث واستسلام وتحسر على حالهم. وقرئ
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٧٤.