قراءة الجماعة أتت على خلاف نظائرها في القرآن لأن كل ما يحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى مرة إنما يبتدأ أولا بالحمل على اللفظ ، ثم بليه الحمل على معنى نحو (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) (١) ثم قال : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) (٢) هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب. وهذه الآية تقدم فيها الحمل على المعنى فقال : (خالِصَةٌ) ثم حمل على اللفظ فقال : و (مُحَرَّمٌ) ومثله كل ذلك كان سيئة في قراءة نافع ومن تابعه فأنث على معنى كل لأنها اسم لجمع ما تقدّم مما نهي عنه من الخطايا ، ثم قال : (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (٣) فذكر على لفظ كل ، وكذلك (ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) (٤) حملا على ما ، ووحد الهاء حملا على لفظ ما.
وحكي عن العرب هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه جمع الأنفس ووحد الهاء وذكرها انتهى وفيه بعض تلخيص. ومن ذهب إلى أن الهاء للمبالغة أو التي في المصدر كالعافية فلا يكون التأنيث حملا على معنى ما ، وعلى تسليم أنه حمل على المعنى فلا يتعين أن يكون بدأ أولا بالحمل على المعنى ثم بالجمل على اللفظ لأن صلة ما متعلقة بفعل محذوف وذلك الفعل مسند إلى ضمير ما ولا يتعين أن يكون وقالوا : ما استقرت في بطون الأنعام ، بل الظاهر أن يكون التقدير ما استقر فيكون حمل أولا على التذكير ثم ثانيا على التأنيث ، وإذا احتمل هذا الوجه وهو الراجح لم يكن دليلا على أنه بدأ بالحمل على التأنيث أولا ثم بالحمل على اللفظ وقول مكي هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب ، أما القرآن فكذلك هو ، وأما كلام العرب فجاء فيه الحمل على اللفظ أولا ثم على المعنى وهو الأكثر وجاء الحمل على المعنى أولا ثم على اللفظ ، وأما قوله : ومثله كل ذلك كان سيئة فليس مثله ، بل حمل أولا على اللفظ في قوله : كان ألا ترى أنه أعاد الضمير مذكرا ثم على المعنى فقال : سيئة وأما قوله : وكذلك ما تركبون فليس مثله ، لأنه يحتمل أن يكون التقدير ما تركبونه فيكون قد حمل أولا على اللفظ ثم على المعنى في قوله : ظهوره ثم على اللفظ في إفراد الضمير ، وأما هذا الجراد قد ذهب فقد حمل أولا على إفراد الضمير على اللفظ ثم جمع على المعنى ثم على اللفظ في إفراد الضمير ، ومعنى لأزواجنا : لنسائنا أي معدّة أن تكون أزواجا قاله مجاهد. وقال ابن زيد : لبناتنا.
(وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) كانوا إذا خرج الجنين ميتا اشترك في أكله الرجال والنساء ، وكذلك ما مات من الأنعام الموقوفة نفسها. وقرأ أبو بكر : وإن تكن بتاء التأنيث
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٦٩.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٧٤.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٣٨.
(٤) الزخرف : ٤٣ / ١٢ ، ١٣.