(مَيْتَةً) بالنصب أي وإن تكن الأجنة التي تخرج ميتة. وقرأ ابن كثير : وإن يكن (مَيْتَةً) بالتذكير وبالرفع على كان التامة وأجاز الأخفش أن تكون الناقصة وجعل الخبر محذوفا التقدير وإن تكن في بطونها ميتة وفيه بعد. وقال الزمخشري : وقرأ أهل مكة وإن تكن (مَيْتَةً) بالتأنيث والرفع ؛ انتهى. فإن عنى ابن كثير فهو وهم وإن عنى غيره من أهل مكة فيمكن أن يكون نقلا صحيحا وهذه القراءة التي عزاها الزمخشري لأهل مكة هي قراءة ابن عامر. وقرأ باقي السبعة (وَإِنْ يَكُنْ) التذكير (مَيْتَةً) بالنصب على تقدير وإن يكن ما في بطونها ميتة. قال أبو عمرو بن العلاء : ويقوي هذه القراءة قوله : (فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ولم يقل فيها ؛ انتهى.
وهذا ليس بجيد لأن الميتة لكل ميت ذكرا كان أو أنثى فكأنه قيل : وإن يكن ميتا (فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ). وقرأ يزيد : ميتة بالتشديد. وقرأ عبد الله (فَهُمْ فِيهِ) سواء.
(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي جزاء (وَصْفَهُمْ) الكذب على الله في التحليل والتحريم من قوله (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) (١).
(إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) أي (حَكِيمٌ) في عذابهم (عَلِيمٌ) بأحوالهم.
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) كان جمهور العرب لا يئدون بناتهم وكان بعض ربيعة ومضر يئدوهنّ وهو دفنهن أحياء ، فبعضهم يئد خوف العيلة والإقتار وبعضهم خوف السبي فنزلت هذه الآية. في ذلك إخبارا بخسران فاعل ذلك ولما تقدّم تزيين قتل الأولاد وتحريم ما حرموه في قولهم (هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) جاء هنا تقديم قتل الأولاد وتلاه التحريم وفي قوله : (سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) إشارة إلى خفة عقولهم وجهلهم بأن الله هو الرزاق والمقدّر السبي وغيره ، ما رزقهم الله إظهار لإباحته لهم فقابلوا إباحة الله بتحريمهم هم وما رزقهم الله يعم السوائب والبحائر والزروع ، وترتب على قتلهم أولادهم الخسران معللا بالسفه والجهل وعلى تحريم (ما رَزَقَهُمُ) الخسران معللا بالافتراء ثم الإخبار بالضلال وانتفاء الهداية ؛ وكل واحدة من هذه السبعة سبب تام في حصول الذم فأما الخسران فلأن الولد نعمة عظيمة من الله فإذا سعى في إبطال تلك النعمة والهبة فقد خسر واستحق الذم في الدنيا بقولهم : قتل ولده خوف أن يأكل معه وفي الآخرة العقاب لأن ثمرة الولد المحبة ،
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ١١٦.