من ما هو فوقه في الجرم ، والظاهر دخول (وَالنَّخْلَ) وما بعده في قوله : (جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) فاندرج في (جَنَّاتٍ) وخص بالذكر وجرد تعظيما لمنفعته والامتنان به ، ومن خص الجنات بقسمها بالكرم قال : ذكر النخل وما بعده ذكر أنواع أخبر تعالى بأنه أنشأها واختلاف أكله وهو المأكول ، هو بأن كل نوع من أنواع النخل والزرع طعما ولونا وحجما ورائحة يخالف به النوع الآخر والمعنى مختلفا أكل ثمره وانتصب مختلفا على أنه حال مقدرة ، لأنه لم يكن وقت الإنشاء مختلفا. وقيل : هي حال مقارنة وذلك بتقدير حذف مضاف قبله تقديره وثمر النخل وحب الزرع والضمير في (أُكُلُهُ) عائد على (النَّخْلَ وَالزَّرْعَ) وأفرد لدخوله في حكمه بالعطفية قال معناه الزمخشري وليس بجيد لأن العطف بالواو لا يجوز إفراد ضمير المتعاطفين. وقال الحوفي : والهاء في (أُكُلُهُ) عائدة على ما تقدّم من ذكر هذه الأشياء المنشآت ؛ انتهى. وعلى هذا لا يكون ذو الحال (النَّخْلَ وَالزَّرْعَ) فقط بل جميع ما أنشأ لاشتراكها كلها في اختلاف المأكول ، ولو كان كما زعم لكان التركيب مختلفا أكلها إلا أن أخذ ذلك على حذف مضاف أي ثمر جنات وروعي هذا المحذوف فقيل : (أُكُلُهُ) بالإفراد على مراعاته فيكون ذلك نحو قوله : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ) (١) أو كذي ظلمات ، ولذلك أعاد الضمير في (يَغْشاهُ) عليه ، والظاهر عوده على أقرب مذكور وهو (الزَّرْعَ) ويكون قد حذفت حال (النَّخْلَ) لدلالة هذه الحال عليها ، التقدير والنخل مختلفا أكله والزرع مختلفا أكله كما تأول بعضهم في قولهم : زيد وعمرو قائم أي زيد قائم وعمرو قائم ، ويحتمل أن يكون الحال مختصة بالزرع لأن أنواعه مختلفة الشكل جدّا كالقمح والشعير والذرة والقطينة والسلت والعدس والجلبان والأرز وغير ذلك ، بخلاف النخل فإن الثمر لا يختلف شكله إلا بالصغر والكبر ، وتقدّم الكلام على قوله : (الزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) فأغني عن إعادته.
(كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) لما كان مجيء تلك الآية في معرض الاستدلال بها على الصانع وقدرته والحشر وإعادة الأرواح إلى الأجساد بعد العدم وإبراز الجسد وتكوينه من العظم الرميم وهو عجب الذنب ، قال : انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إشارة إلى الإيجاد أولا وإلى غايته وهنا لما كان معرض الغاية الامتنان وإظهار الإحسان بما خلق لنا قال : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) فحصل بمجموعهما الحياة الأبدية السرمدية والحياة الدنيوية السريعة
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤٠.