فقدم لأن الكلام مع من ينكر رسالة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وينكر إنزال الكتب الإلهية وكونه مباركا عليهم هو وصف حاصل لهم منه متراخ عن الإنزال فلذلك تأخر الوصف بالبركة ، وتقدم الوصف بالإنزال وكان الوصف بالفعل المسند إلى نون العظمة أولى من الوصف بالاسم لما يدل الإسناد إلى الله تعالى من التعظيم والتشريف ، وليس ذلك في الاسم لو كان التركيب منزل أو منزل منا وبركة القرآن بما يترتب عليه من النفع والنماء بجمع كلمة العرب به والمواعظ والحكم والإعلام بأخبار الأمم السالفة والأجور التالية والشفاء من الأدواء. والشفاعة لقارئه وعده من أهل الله وكونه مع المكرمين من الملائكة وغير ذلك من البركات التي لا تحصى ، ثم أمر الله تعالى باتباعه وهو العمل بما فيه والانتهاء إلى ما تضمنه والرجوع إليه عند المشكلات ، والظاهر في قوله : (وَاتَّقُوا) أنه أمر بالتقوى العامة في جميع الأشياء. وقيل (وَاتَّقُوا) مخالفته لرجاء الله الرحمة. وقال التبريزي : اتقوا غيره فإنه منسوخ وقال التبريزي في الكلام إشارة وهو وصف الله التوراة بالتمام والتمام يؤذن بالانصرام قال الشاعر :
إذا تم أمر بدا نقصه |
|
توقع زوالا إذا قيل تم |
فنسخها الله بالقرآن ودينها بالإسلام ووصف القرآن بأنه مبارك في مواضع كثيرة ، والمبارك هو الثابت الدائم في ازدياد وذلك مشعر ببقائه ودوامه.
(أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَنْ تَقُولُوا) مفعول من أجله فقدره الكوفيون لئلا تقولوا ولأجل أن لا تقولوا وقدره البصريون كراهة (أَنْ تَقُولُوا) والعامل في كلا المذهبين (أَنْزَلْناهُ) محذوفة يدل عليها قوله قبل (أَنْزَلْناهُ) ، ولا يجوز أن يكون العامل (أَنْزَلْناهُ) هذه الملفوظة بها للفاصل بينهما وهو (مُبارَكٌ) الذي هو وصف لكتاب أو خبر عن هذا فهو أجنبي من العامل والمعمول. وظاهر كلام ابن عطية أن العامل فيه (أَنْزَلْناهُ) الملفوظ بها. وقيل : (أَنْ تَقُولُوا) مفعول والعامل فيه (وَاتَّقُوا) أي واتقوا أن تقولوا لأنه لا حجة لكم فيه والكتاب هنا جنس والطائفتان هما أهل التوراة والإنجيل اليهود والنصارى بلا خلاف ، والخطاب متوجه إلى كفار قريش بإثبات الحجة عليهم بإنزال هذا الكتاب لئلا يحتجوا هم وكفار العرب بأنهم لم يكن لهم كتاب فكأنه قيل : وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا : إنما أنزلت التوراة والإنجيل بغير لساننا على غيرنا ونحن لم نعرف ذلك فهذا كتاب بلسانكم مع رجل منكم.