تضمنه من غير إكداد فكر ولا تعلم لسان بخلاف الكتاب الذي أنزل على الطائفتين ، فإنه بغير لساننا فنحن لا نعرفه ولا نغفل عن دراسته أو (أَهْدى مِنْهُمْ) لكون اليهود والنصارى قد افترقت فرقا متباينة فلا نعرف الحق من الباطل.
(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) هذا قطع لاعتذارهم بانحصار إنزال الكتاب على الطائفتين وبكونهم لم ينزل عليهم كتاب ، ولو نزل لكانوا أهدى من الطائفتين. والظاهر أن البينة هي القرآن وهو الحجة الواضحة الدالة النيرة حيث نزل عليهم بلسانهم وألزم العالم أحكامه وشريعته وأن الهدى والنور من صفات القرآن. وقيل : البينة الرسول قاله ابن عباس (بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي حجة وهو النبي صلىاللهعليهوسلم والقرآن. وقيل : آيات الله التي أظهرها في كتابه وعلى لسان رسوله. وقيل : دين الله والهدى والنور على هذه الأقوال من صفات ما فسرت البينة به والفاء في قوله : (فَقَدْ جاءَكُمْ) على ما قدره الزمخشري وغيره جواب شرط محذوف. قال الزمخشري : والمعنى إن صدقتم فيما كنتم تعدّون من أنفسكم (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) فحذف الشرط وهو من أحاسن الحذوف ؛ انتهى. وقدره غيره إن كنتم كما تزعمون إذا نزل عليكم كتاب تكونون أهدى من اليهود والنصارى ، (فَقَدْ جاءَكُمْ) وأطبق المفسرون على أن الغرض بهذه الجملة إقامة الحجة على مشركي العرب وقطع احتجاجهم.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) أي بعد مجيء البينة والهدى والنور لا يكون أحد أشد ظلما من المكذب بالأمر الواضح النير الذي لا شبهة فيه والمعرض عنه بعد ما لاحت له صحته وصدقه وعرفه أو تمكن من معرفته ، وتأخر الإعراض لأنه ناشئ عن التكذيب والإعراض عن الشيء هو بعد رؤيته وظهوره. وقيل : قبل الفاء شرط محذوف تقديره فإن كذبتم فلا أحد أظلم منكم وآيات الله يحتمل أن يراد بها القرآن والرسول والأولى أن يحمل على العموم ، (وَصَدَفَ) لازم بمعنى أعرض وقد شرحناه على هذا المعنى ومتعدّ أي صدف عنها غيره بمعنى صده وفيه مبالغة في الذمّ حيث (كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) وجعل غيره يعرض عنها ويكذب بها. وقرأ ابن وثاب وابن أبي عبلة (مِمَّنْ كَذَّبَ) بتخفيف الذال.
(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) علق الجزاء على الصدوف لأنه هو ناشئ عن التكذيب ، و (سُوءَ الْعَذابِ) شديده كقوله ؛ (الَّذِينَ