معبودي لا معبودكم من الأصنام ومعنى (هَدانِي) خلق فيّ الهداية. وقال بعض المعتزلة : دلني. قال الماتريدي : وهذا باطل إذ لا فائدة في تخصيصه لأن الناس كلهم كذلك.
(دِيناً قِيَماً) بالحق والبرهان.
(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أذكرهم أن هذا الدين الذي هو عليه هو ملة إبراهيم وهو النّبيّ الذي يعظمه أهل الشرائع والديانات وتزعم كفار قريش أنهم على دينه ، فرد تعالى عليهم بقوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وانتصب (دِيناً) على إضمار عرفني لدلالة هداني عليه أو بإضمار هداني أو بإضمار اتبعوا وألزموا ، أو على أنه مصدر لهداني على المعنى كأنه قال : اهتداء أو على البدل من إلى صراط على الموضع لأنه يقال : هديت القوم الطريق. قال الله تعالى : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (١). وقرأ الكوفيون وابن عامر قيما وتقدم توجيهه في أوائل سورة النساء. وقرأ باقي السبعة قيما كسيد وملة بدل من قوله : (دِيناً) و (حَنِيفاً) تقدم إعرابه في قوله : (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٢) في سورة البقرة. وقال ابن عطية : و (حَنِيفاً) نصب على الحال من إبراهيم.
(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الظاهر أن الصلاة هي التي فرضت عليه. وقيل : صلاة الليل. وقيل : صلاة العيد لمناسبة النسك. وقيل : الدعاء والتذلل والنسك يطلق على الصلاة أيضا وعلى العبادة وعلى الذبيحة ، وأما في الآية فقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وابن قتيبة : هي الذبائح التي تذبح لله وجمع بينهما كما قال : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٣) ويؤيد ذلك أنها نازلة قد تقدّم ذكرها ، والجدال فيها في السورة. وقال الحسن : الدين والمذهب. وقيل : العبادة الخالصة ومعنى (وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ) أنه لا يملكهما إلا الله أو حياتي لطاعته ومماتي رجوعي إلى جزائه أو ما آتيه في حياتي من العمل الصالح وما أموت عليه من الإيمان لله ثلاثة أقوال.
وقال أبو عبد الله الرازي : معنى كونهما لله لخلق الله وهذا يدل على أن طاعة العبد مخلوقة لله انتهى. وقال ابن عطية : أمره تعالى أن يعلن أن مقصده في صلاته وطاعاته من ذبيحة وغيرها وتصرفه مدّة حياته وحاله من الإخلاص والإيمان عند مماته إنما هو لله عزوجل وإرادة وجهه وطلبه رضاه ، وفي إعلان النبي صلىاللهعليهوسلم بهذه المقالة ما يلزم المؤمنين التأسي به حتى يلزموا في جميع أعمالهم قصد وجهه عزوجل وله تصرفه في جميع ذلك كيف شاء. وقرأ الحسن
__________________
(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٢.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٣٥.
(٣) سورة الكوثر : ١٠٨ / ٢.