الناس بالدرجة الفضلى في هذا المعنى ، فكان إذا سأل الولي عن وليته فقيل : هي غنية جميلة قال له : اطلب لها من هو خير منك وأعود عليها بالنفع. وإذا قيل : هي دميمة فقيرة قال له : أنت أولى بها وبالستر عليها من غيرك. والمستضعفين معطوف على يتامى النساء ، والذي تلى فيهم قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) (١) الآية وذلك أن العرب كانت لا تورث الصبية ولا الصبي الصغير ، وكان الكبير ينفرد بالمال ، وكانوا يقولون : إنما يرث من يحمي الحوزة ويرد الغنيمة ، ويقاتل عن الحريم ، ففرض الله تعالى لكل واحد حقه. ويجوز أن يكون خطابا للأوصياء كقوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) (٢) وقيل : المستضعفين هنا العبيد والإماء.
(وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) هو في موضع جر عطفا على ما قبله أي : وفي أن تقوموا. والذي تلي في هذا المعنى قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) (٣) إلى غير ذلك مما ذكر في مال اليتيم. والقسط : العدل. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى ويأمركم أن تقوموا. وهو خطاب للأئمة في أن ينظروا لهم ، ويستوفوا لهم حقوقهم ، ولا يخلوا أحدا يهتضمهم انتهى. وفي ري الظمآن : ويحتمل أن يرفع ، وأن تقوموا بالابتداء وخبره محذوف أي : خير لكم انتهى. وإذا أمكن حمله على غير حذف بكونه قد عطف على مجرور كان أولى من إضمار ناصب ، كما ذهب إليه الزمخشري. ومن كونه مبتدأ قد حذف خبره.
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) لما تقدم ذكر النساء ، ويتامى النساء ، والمستضعفين من الولدان ، والقيام بالقسط ، عقب ذلك بأنه تعالى يعلم ما يفعل من الخير بسبب من ذكر ، فيجازي عليه بالثواب الجزيل. واقتصر على ذكر فعل الخير لأنه هو الذي رغب فيه ، وإن كان تعالى يعلم ما يفعل من خير ومن شر ، ويجازي على ذلك بثوابه وعقابه.
(وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً) نزلت بسبب ابن بعكك وامرأته قاله : مجاهد. وبسبب رافع بن خديج وامرأته خولة بنت محمد بن مسلمة ، وكانت قد أسنت فتزوج عليها شابة فآثرها ، فلم تصبر خولة فطلقها
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١١.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٢.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٢.