عنها بمنع قسمتها من غير رضا منها ، واجتناب كل الميل داخل في الوسع ، ولذلك وقع النهي عنه أي : إن وقع منكم التفريط في شيء من المساواة فلا تجوروا كل الجور. والضمير في فتذروها عائد على المميل عنها المفهوم من قوله : فلا تميلوا كل الميل.
وقرأ أبيّ : فتذروها كالمسجونة. وقرأ عبد الله : فتذروها كأنها معلقة. وتقدم تفسير المعلقة في الكلام على المفردات. وقال ابن عباس : كالمحبوسة بغير حق. وقيل : معنى كالمعلقة كالبعيدة عن زوجها. قيل : أو عن حقها ، ذكره الماوردي مأخوذ من تعليق الشيء لبعده عن قراره. وتذروها يحتمل أن يكون مجزوما عطفا على تميلوا ، ويحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي. وكالمعلقة في موضع نصب على الحال ، فتتعلق الكاف بمحذوف. وفي الحديث : «من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل» والمعنى : يميل مع إحداهما كل الميل ، لا مطلق الميل. وقد فاضل عمر في عطاء بين أزواج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأبت عائشة وقالت : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يعدل بيننا في القسمة بماله ونفسه ، فساوى عمر بينهن ، وكان لمعاذ امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى ، فماتتا في الطاعون فدفنهما في قبر واحد.
(وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) قال الزمخشري : وإن تصلحوا ما مضى من قبلكم وتتداركوه بالتوبة ، وتتقوا فيما يستقبل ، غفر الله لكم انتهى. وفي ذلك نزغة الاعتزال. وقال ابن عطية : وإن تصلحوا ما أفسدتم بسوء العشرة ، وتلزموا ما يلزمكم من العدل فيما تملكون ، فإن الله كان غفورا لما تملكونه متجاوزا عنه. وقال الطبري : غفورا لما سلف منكم من الميل كل الميل قبل نزول الآية انتهى. فعلى هذا هي مغفرة مخصصة لقوم بأعيانهم واقعوا المحظور في مدّة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وختمت تلك بالإحسان ، وهذه بالإصلاح. لأنّ الأولى في مندوب إليه إذ له أن لا يحسن وإن يشح ويصالح بما يرضيه ، وهذه في لازم ، إذ ليس له إلا أن يصلح ، بل يلزمه العدل فيما يملك.
(وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) الضمير في يتفرقا عائد على الزوجين المذكورين في قوله : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها) (١) والمعنى : وإن شح كل منهما ولم يصطلحا وتفرّقا بطلاق ، فالله يغني كلا منهما عن صاحبه بفضله ولطفه في المال والعشرة والسعة. ووجود المراد والسعة الغنى والمقدرة وهذا وعد بالغنى لكل واحد إذا تفرقا ، وهو
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٢٨.