الفاعل على تفصيل في ذلك ؛ وإن كان الأجود عندهم إقامة الأول. فيحتمل أن تكون الأنفس هي المفعول الثاني ، والشح هو المفعول الأول ، وقام الثاني مقام الفاعل. والأولى حمل القرآن على الأفصح المتفق عليه. وقرأ العدوي : الشح بكسر الشين وهي لغة.
(وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) ندب تعالى إلى الإحسان في العشرة على النساء وإن كرهن مراعاة لحق الصحبة ، وأمر بالتقوى في حالهن ، لأنّ الزوج قد تحمله الكراهة للزوجة على أذيتها وخصومتها لا سيما وقد ظهرت منه أمارات الكراهة من النشوز والإعراض. وقد وصى النبي صلىاللهعليهوسلم بهنّ «فإنهنّ عوان عند الأزواج». وقال الماتريدي : وإن تحسنوا في أن تعطوهنّ أكثر من حقهنّ ، وتتقوا في أن لا تنقصوا من حقهن شيئا ،. أو أن تحسنوا في إيفاء حقهنّ ، والتسوية بينهنّ ، وتتقوا الجور والميل وتفضيل بعض على بعض. أو أن تحسنوا في اتباع ما أمركم الله به من طاعتهنّ ، وتتقوا ما نهاكم عنه عن معصيته انتهى. وختم آخر هذه بصفة الخبير وهو علم ما يلطف إدراكه ويدق ، لأنه قد يكون بين الزوجين من خفايا الأمور ما لا يطلع عليه إلا الله تعالى ، ولا يظهران ذلك لكل أحد. وكان عمران بن حطان الخارجي من أدم الناس ، وامرأته من أجملهنّ ، فأجالت في وجهه نظرها ثم تابعت الحمد لله ، فقال : ما لك؟ قالت : حمدت الله على أني وإياك من أهل الجنة قال : كيف؟ قالت : لأنك رزقت مثلي فشكرت ، ورزقت مثلك فصبرت ، وقد وعد الله الجنة الشاكرين والصابرين.
(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) قال ابن عطية : روي أنها نزلت في النبي صلىاللهعليهوسلم وميله بقلبه إلى عائشة رضياللهعنها انتهى. ونبه تعالى على انتفاء استطاعة العدل بين النساء والتسوية حتى لا يقع ميل البتة ، ولا زيادة ولا نقصان فيما يجب لهن ، وفي ذلك عذر للرجال فيما يقع من التفاوت في الميل القلبي ، والتعهد ، والنظر ، والتأنيس ، والمفاكهة. فإن التسوية في ذلك محال خارج عن حد الاستطاعة ، وعلق انتفاء الاستطاعة في التسوية على تقدير وجود الحرص من الإنسان على ذلك. وقيل : معنى أن تعدلوا في المحبة قاله : عمر ، وابن عباس ، والحسن. وقيل : في التسوية والقسم. وقيل : في الجماع. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم «أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول : هذه قسمتي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك» يعني المحبة ، لأنّ عائشة رضياللهعنها كانت أحب إليه وكان عمر يقول : اللهم قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل فيه.
(فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) نهى تعالى عن الجور على المرغوب