يرغب الإسلام في الابتعاد عنه ، فضلا عن ممارسة المنكر نفسه.
وليتأمل قليلا في إطلاق لفظ المنكر على مثل هذه الأمور الضارة ، فإن الإسلام يريد للناس أن ينكروها ، وأن لا يعرفوها ، كما أنه حين يمنع من غيبة غير المتجاهر ، فلأنه يريد أن يمنح ذلك المرتكب للمنكر فرصة للتخلي عن سيئته تلك ، ويهيء له الجو الإجتماعي المناسب لنمو شخصيته ، والاحتفاظ بعزته وكرامته ، إلى غير ذلك مما لسنا بصدد بيانه فعلا.
وبعد ما تقدم : فإنه إذا كان ضرر الانحراف لا يقتصر على نفس من يمارسه ، بل يتعداه إلى غيره ، فإنه يكون من حق ذلك الغير أن يدفع ذلك الضرر عن نفسه ، وهذا ما يحكم به العقل والفطرة ، حتى ولو لم يكن ثمة شرع أصلا ، ولكن الشرع لم يكتف بالاعتراف بحق الدفاع عن النفس هذا ، بل زاد على ذلك ؛ فأوجبه عليه ، حين حكم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحد.
وذلك من أجل الحفاظ عليهم أولا ، وحتى لا يتسرب ذلك الانحراف منهم إلى غيرهم ثانيا (١).
__________________
(١) وإنما كان لمرتكب المنكر عقاب واحد ولم يعاقب عقابين : أحدهما على المنكر ، والآخر على تسببه بالإضرار بالغير ، من جهة أنه لم يسلب الآخرين عنصر الاختيار الذي لديهم ، كما أنه لم يقصد هو ذلك ، فيكون فعله من ممهدات وقوع الغير في المعصية ، وليس الجزء الأخير للعلة ، وبإدخال عنصر القصد في المعصية وفي استحقاق العقوبة وعدمه ، يعرف الفرق بين ما نحن بصدده ، وبين قولهم : من سن سنة حسنة ، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها.