وكل ما قدمناه يوضح لنا السر في أن المؤمنين ـ بنظر الإسلام ـ كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وعلى هذا : فليس من حق من تنهاه عن المنكر ، أو تأمره بالمعروف أن يقول لك : وماذا يعنيك؟. أو : أنا حر ، أو ما شاكل.
إذ إن الأمر يعنيك حقا وهو ليس حرا إلا بمقدار لا يعتدي فيه على غيره ، بأي نحو من أنحاء الاعتداء ، ولا يضر بحريته. والانحراف هو أخطر أشكال الاعتداء وأبشع أنواعه.
وواضح : أنه في مقام دفع أخطار الانحراف ، والقضاء على المنكر ، لا بد من مراعاة مقدار الضرورة ، فلو أساء ولدك نهيته أولا ، وبينت له خطأه ، ثم لمته ، ثم تهددته ، ثم ضربته ، ثم طردته الخ .. كل ذلك بحكم الشرع والعقل وقضاء الفطرة.
وإذا مرض أحد أعضاء الإنسان ، فإنه يعالجه بالدواء ، ثم بالعملية الجراحية ، ولربما تصل النوبة إلى قطعه ، إذا كان مرضه خبيثا وخطيرا ؛ حيث إنه بالإضافة إلى أنه أصبح يشكل عبئا ثقيلا على سائر الأعضاء ، حيث يفترض فيها أن تقوم بمهماتها ومهماته قد صار يشكل خطرا عليها نفسها ، هذا عدا عن أنه يؤثر فيها ألما وضعفا ووهنا ، ويمنعها من القيام بوظائفها على النحو الأكمل والأفضل.
وعلى هذا : فلو لم يقطع الطبيب هذا العضو ، فإنه يكون قد أضر بهذا الإنسان وخانه.
وحين يعتبر الإسلام ، والعقل ، والفطرة ، المسلمين كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، بل إن الإنسانية