فسألته عن ذلك فقال : كنت في ضيعتي نصف النهار أدور فيها ، فسمعت قائلا يقول هذا البيت [، فنظرت فلم أجد أحدا ، فكتبته على خاتمي.
وفي رواية :](١) فقلت : إنسي أم جني؟ فقال : بل جني.
وفي رواية : فما أجابني ، فنقشته على خاتمي.
قال أبو عمرو بن العلاء : امتحنت خصال الإنسان فوجدت أشرفها صدق اللسان.
قال الأصمعي (٢) : قال لي أبو عمرو بن العلاء : يا عبد الملك ، كن من الكريم على حذر إذا أهنته ، ومن اللئيم إذا أكرمته ، ومن العاقل إذا أحرجته ، ومن الأحمق إذا مازحته ، ومن الفاجر إذا عاشرته ، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك ، أو تسأل من لا يجيبك ، أو تحدث من لا ينصت لك.
قال المعافى بن زكريا القاضي : وكأن قول البحتري :
وسألت من لا يستجيب فكنت في اس |
|
تخباره كمجيب من لا يسأل |
مأخوذ من قول أبي عمرو في هذا الخبر.
قال الرياشي : حدّثنا الأصمعي عن معاذ بن العلاء قال :
سأل رجل أبا عمرو بن العلاء حاجة فوعده بها ، ثم إن الحاجة تعذّرت على أبي عمرو ، فلقيه الرجل بعد ذلك فقال له : يا أبا عمرو ، وعدتني وعدا فلم تنجزه. قال أبو عمرو : فمن أولى بالغم؟ قال : أنا. قال : لا ، بل أنا. قال الرجل : وكيف ذلك أصلحك الله؟ قال : لأني وعدك وعدا ، فأبت بفرح الوعد ، وأبت أنا بهمّ الإنجاز ، فبت ليلتك فرحا مسرورا ، وبت ليلي مفكّرا مهموما ، ثم عاق القدر عن بلوغ الإرادة ، فلقيتني مدلّا ، ولقيتك محتشما.
قال : سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول : ما ضاق مجلس بين متحابين.
وقال : إني لأحبّ أن أرى أهل ودّي كلّ يوم مرتين.
قال الأصمعي (٣) : مرض أبو عمرو بن العلاء مرضة ، فأتاه أصحابه إلّا رجلا منهم ، ثم جاءه بعد ذلك ، فقال : إني أريد أن أسامرك الليلة. فقال : أنت معافى وأنا مبتلى ، والعافية لا
__________________
(١) ما بين معكوفتين زيادة عن مختصر ابن منظور.
(٢) الخبر في سير الأعلام ٦ / ٤٠٩ وتهذيب الكمال ٢١ / ٤١٥.
(٣) الخبر في تهذيب الكمال ٢١ / ٤١٥.