بخت نصر : هي أرزاق ، قال : فأخبرني عن اسمك حتى أخبره بحالك فيعطيك كما يعطي غيرك ، قال : اسمي بخت نصر. قال : فلما انصرف الغلام إلى سيده فأخبره بما رأى. قال دانيال : هذا بغيتي وأسرّ في نفسه ، وانطلق معه غلامه إليه. فقال له : ما اسمك؟ قال : اسمي بخت نصّر ، وأنا غلام يتيم من أهل بيت شرف ، ولكن انقلب علينا الزمان وأصابتنا الشدة فعجزت أمي عني فألقتني هذا الموضع.
قال : فأمر غلامه فغسله وطيّبه وكساه ، ثم حمله حتى جاء به إلى أمه ، وأجرى عليها حتى برأ وصحّ ، وكان قبل أن ينزل به المرض يخرج مع أتراب له إلى البراري فيحتطب ، فكانوا يؤمّرونه على أنفسهم فيحتطبون له ، ويحملونه فيما بينهم حتى ينتهوا إلى القرية ، فيحتزمون له حزمة فكان يدخلها السوق فيبيعها ، فكان منها معيشته ومعيشة أمه ، فلما صحّ قال له دانيال : يا بخت نصّر هل تعلم أنّي قد أحسنت إليك؟ قال : نعم. قال : فما رأيك إن وصلت إليّ مكافأتي هل أنت مكافيّ؟ قال : يا سيدي هل صنع أحد بأحد إلّا دون ما صنعت بي ، ومن أين أقدر على مكافأتك! قال : أخبرني إن ملكت يوما من الدهر بابل وغزوت بلاد بني إسرائيل فلي الأمان منك ولأهل بيتي؟ قال : نعم. غير أنّي أظن أن هذا منك استهزاء! قال دانيال : لا بل هو الجدّ مني. قالت أمه : يا سيدي ، إن كان الذي تقول حقا فأنت الملك وهو تبع لك ، فقال دانيال : أتكتب لي كتابا أمانا لي ولأهل بيتي يكون كتابك علامة بيني وبينك وبين أهل بيتي وأعطيك عشرين ألف درهم؟ قال : نعم.
قال : فكتب له بخت نصّر كتابا أمانا بخط يده ولأهل بيته ، وجهز بالذهب ، وأعطاه دانيال عشرين ألف درهم ، ثم ودّع الملك ولحق ببلاده ، فعمد بخت نصّر ففرّق تلك الدراهم في الغلمة الذين كان يترأس عليهم ، فكساهم واشترى لهم الدوابّ ، وكان ظريفا كاتبا أديبا ، فانطلق إلى سنحاريب (١) الملك ، فانتسب له ولزم بابه في أصحابه ، فكان يوجّهه في أموره وكان مظفّرا حتى بدا لسنحاريب أن يغزو بيت المقدس ، فبعث جواسيسه يأتونه بخبر الأرض ، فانطلق بخت نصّر فركب حمارا ثم جاء حتى دخل على الملك ، فقال : أيها الملك إنك تبعث عيونا إلى أرض بني إسرائيل فأحبّ أن أنطلق أنا بنفسي ، فإني أنا أعلم منهم بالأمر الذي تدرك به حاجتك. قال له الملك : ألا أعلمتني فكنت أستعملك عليهم ، ولكن امضه. فمضى حتى
__________________
(١) الذي في تاريخ الطبري : صيحون ، ملك فارس ببابل.