وردها ، فكان أصحابه يسألون عن الحصون وعن العدة والرجال والمدخل والمخرج وكان بخت نصّر يسأل بقوله : هل فيكم اليوم أنبياء وكتب تقرءونها؟ قالوا : نعم.
قال : أفتطيعون أنبياءكم؟ قالوا : لا. قال : أفتقيمون كتبكم؟ قالوا : لا. قال : فانصرف ، وانصرف أصحابه ، فأعلموا الملك ما عاينوا. وقال بخت نصّر : أيها الملك إنّ فيهم أنبياء لا يطيعونهم وكتبا لا يقيمونها فإن نصرت فبهذا. قال سنحاريب : إنه ليس للقوم بنا يدان ، وسأغزوهم بجنود لا قبل لهم بها ، وكان من قصته ما كان.
يروى أن بخت نصّر دخل الشام ومصر في ست مائة ألف وهو راكب على أسد أحمر متعمّم بثعبان ، متقلّدا سيفا طوله عشرة أشبار في عرض شبر (١) ، أخضر النّصل (٢) ، يقطر منه الماء شبه الشّرر ، غمده (٣) من ذهب مرصّع بصنوف الجوهر والياقوت الأحمر ، منقوش عليه هذه الأبيات :
وأنت إن لم ترج أو تتّقي |
|
كالميت محمولا على نعشه |
لا تنجش الشرّ فتصلى به |
|
فقلّ من يسلم من نجشه (٤) |
وأخمد الشّرّ فإن هجته |
|
فاحرص لأعدائك في جشّه (٥) |
للبحر أقراش لها صولة |
|
فاحذر على نفسك من قرشه (٦) |
إذا طغى الكبش بشحم الكلى |
|
أدخل رأس الكبش في كرشه |
وناطح الكبش له ساعة |
|
تأخذه أنطح من كبشه |
فكم نجا من يد أعدائه |
|
وميّت مات على فرشه |
__________________
(١) الشبر : بالكسر ، ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر ، ج أشبار (تاج العروس : شبر).
(٢) النصل : حديدة السهم والرمح ، وقيل هو حديدة السيف ما لم يكن له مقبض. وقيل : السهم العريض الطويل يكون قريبا من فتر (تاج العروس : نصل).
(٣) الغمد بالكسر جفن السيف. (تاج العروس : غمد).
(٤) النجش في الأصل : البحث عن الشيء واستثارته ، والنجش : الاستخراج ، والنجش : الإسراع. (تاج العروس : نجش).
(٥) جشه يجشه جشّا : دقه وكسره ، وقيل : طحنه طحنا غليظا جريشا (تاج العروس : جشش).
(٦) القرش دابة بحرية تخافها دواب البحر كلها ، وقيل : إنها سيدة الدواب ، إذا دنت وقفت الدواب ، وإذا مشت مشت. (تاج العروس : قرش).