لسان الحامد ، وتطيل رغم الحاسد ، ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن يؤتى المعنى من الجهة التي هي أصحّ لتأديته ، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به ، وأكشف عنه ، وأتمّ له ، وأحرى بأن يكسبه نبلا ، ويظهر فيه مزية».
لقد قلنا مفهوم الجرجاني ولم نقل حدّه لأنه أعطى صفات مشتركة لكل من البلاغة والفصاحة والبراعة والبيان أوّلا ، ولأنه لم يحدّد البلاغة تحديدا وافيا ثانيا. فالكلام يجب أن يكون شديد الدلالة على المعنى ، ثم إنه من المستحسن أن يرصف في جملة أنيقة متبرّجة لتأتي فائقة الأناقة تبلغ الأسماع فتطربها بجرسها ، وتأسرها بجمال وسحر ألفاظها. ولتأتي العبارة بهذه الصفات على صاحبها أن يتخيّر اللفظ الذي يؤدي المعنى ولا يقصّر عنه لأن الكلام الذي تقصّر فيه الألفاظ عن تأدية المعاني كاملة وبدقة متناهية ليس كلاما بليغا.
١ ـ ٣ ـ ٦ ـ موقف ابن سنان الخفّاجي (٤٢٢ ـ ٤٦٦ ه):
ذهب ابن سنان في كتابه (سرّ الفصاحة) إلى أن القدامى لم يحدّوا البلاغة ، (لم يعرّفوها) لأنهم اكتفوا برصد صفاتها ، وقد تعقب تعريفات السابقين مستبعدا أن تكون محاولاتهم هذه حدودا للبلاغة فشرحها مبيّنا أنها مجرّد صفات وليست حدودا صحيحة في نظره.
ولكن ابن سنان لم يفرق بين الفصاحة والبلاغة ، وذهبت جهوده في ذلك أدراج الرياح ، فبعد أن رأى أن الفصاحة مقصورة على وصف الألفاظ ، وأن البلاغة لا تكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني ، فلا يقال عن كلمة مفردة إنها بليغة ، ينتهي إلى تعريف للفصاحة جاء فيه (١) :
__________________
(١) ابن سنان الخفّاجي ، سر الفصاحة ، تحق عبد المتعال الصعيدي ، طبعة صبيح ص ٨٥.